عبدالله عبدالسلام
الحيثيات – التي قدمها الرئيس الأمريكي.. لطوفان الرسوم الجمركية التي فرضها على دول العالم – ربما تكون أخطر من العقوبات نفسها.؛إنها تكشف الكثير عن عقليته ونظرته للعالم، وماذا ستفعل إدارته في المستقبل؟.
ترامب قال: «طيلة عقود، تعرضت بلادنا للنهب والسلب والاغتصاب.. من دول قريبة وبعيدة، من الصديق والعدو. نهب الغشاشون مصانعنا ومزق اللصوص حلمنا».
هذه نظرة ترامب للعالم. لا فرق في ذلك بين دولة كبرى كالصين، وأخرى غارقة في الفقر مثل ليسوتو والسودان. الجميع شارك في «الجريمة»، وجاء هذا الكاوبوي – أو السوبرمان «الوهمي» – لينتقم ويستعيد السطوة الأمريكية، ويعامل الآخرين باعتبارهم.. أعداء يجب هزيمتهم.
في يوم التحرير – الذي أعلنه ترامب، أي تحرير أمريكا من استعباد العالم لها – أعلن حرباً تجارية على الجميع. فرض رسوماً لا تقل عن 10٪ كحد أدنى، ترتفع في حالات كثيرة إلى ما يقارب 50٪. عاقب الفقراء والأغنياء، وكذلك مناطق غير مأهولة بالسكان، يسكنها فقط البجع.. مثل بعض جزر أستراليا، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز للقول: «لا مكان آمن تحت الشمس من رسوم ترامب».
بالطبع، كان للعرب نصيب في ذلك العقاب الجماعي. فرض ترامب رسوماً على 18 دولة عربية؛ في مقدمتها سوريا (41٪) والعراق (39٪) وليبيا (31٪)..وصولاً إلى مصر والسعودية والإمارات وقطر واليمن والسودان (10٪). لا أحد يعرف منذ متى استعبدت سوريا واليمن والسودان، – وبالتأكيد مصر والدول الأخرى – الدولة الأغنى والأقوى في العالم.. حتى تنال هذه العقوبات غير المسبوقة؟
ومع ذلك صوَّر ترامب نفسه.. على أنه إنسان رحيم، يقود دولة متسامحة. الصين تفرض رسوماً على السلع الأمريكية بقيمة 67٪، لكنه فرض عليها رسوماً بمعدل 34٪ فقط. الاتحاد الأوروبي كذلك. يفرض 39٪ رسوماً، وترامب رد بـ 20٪. فيتنام تفرض 90٪، وعاقبها بـ 46٪ فحسب. يا سلام على «الإنسانية والحنية»!.
لا أحد جادل في مدى صحة ما قاله. الإمبراطور لا تتم مساءلته، ولا التحقق مما يقول.
هذه الرسوم ليست نهاية المطاف. ترامب يعتقد أنها السبيل الوحيد.. لعودة أمريكا إلى «صباها». الصين أصبحت دولة عظمى اقتصادياً.. دون استخدام سلاح العقوبات، لكن أمريكا – التي فقدت قدرتها على المنافسة الشريفة – تلجأ إليها، لأن لا خيارات أخرى لديها؛ وفي مقدمتها إقناع العالم بأن ما تنتجه.. أفضل وأرخص من إنتاج الآخرين.
ترامب ينظر للعالم بحسد وحقد، ولا يُخفي شعوره.
تحدث مرارًا عن عزمه إنهاء الحروب ونشر السلام. أليس ما يفعله الآن.. تفجير لحروب اقتصادية، ربما تكون تداعياتها أشد وطأة على الشعوب الفقيرة.. من الحروب بالأسلحة الفتاكة؟
إنهاء الحروب العسكرية بالنسبة له، يعني ألا تتورط أمريكا فيها، وألا يتعرض جندي أمريكي للقتل.
هو لا يهمه في شيء حياة الآخرين، وإلا كان قد ميَّز بين فقراء لا حول لهم ولا قوة، وكبار يناطحون بلاده على المكانة والنفوذ.
لن يرضى ترامب إلا إذا خصص العالم مبلغاً سنوياً هائلاً.. يرسله لأمريكا، لعلها تشبع وتهدأ.
قد يراه البعض «جزية»، ولكن لنعتبره شكلاً من أشكال التبرعات!
نقلاً عن «المصري اليوم»