Times of Egypt

تأملات عن «السقوط» 

M.Adam
وجيه وهبة 

وجيه وهبة  

■ بعد أربعة وخمسين عاماً، سقط الحكم «العلوي» لسوريا، وبدأ الاحتلال «الداعشي».  

لم يتعظ «بشار الأسد» من دروس التاريخ. تعامى عن رؤية نهاية مَن تشبثوا بكرسي الحكم بجنون مطبق. لم يحزن أحد على رحيله المخزي، بل كان – وسيظل – الحزن على مصير سوريا الحبيبة، التي تركها – بعد حرب أهلية عبثية، دامت نحو ثلاثة عشر عاماً – ممزقة، يرتع فيها أناس مهووسون بالعنف والدماء، أغراب من كل جنس ولون. 

■ المشهد الراهن – المفعم باللحى الطويلة – يبين عن أن ما تمر به «سوريا» الآن.. هو على الأرجح هدنة مؤقتة، سوف تسفر؛ إما عن فصل جديد من الحرب الأهلية بين مختلف الفصائل، أو سيطرة طويلة الأمد.. للفصيل الأشد تطرفاً، وارتباطاً بتركيا. وفي كلتا الحالتين، سوف يكون من الصعب أن ينعم الشعب السوري.. بالسلام بين مختلف مكوناته، العرقية والعقائدية والطائفية. 

■ بعد سقوط سوريا التام في أيدي المتطرفين، بثت وسائط التواصل الاجتماعي.. مقاطع مرعبة لأعمال قتل بلا رحمة، تقوم بها ميليشيات «الفاتحون»، حيث نراهم – بعد التهليل والتكبير – وهم يطلقون الرصاص – من المسافة صفر – على أشخاص مقيدين، لا حول لهم ولا قوة.  

مذابح تُذكرنا بمذابح داعش.. التي كانت تُبَثّ على الهواء مباشرة. 

■ الحكم العائلي المطلق.. في جمهوريات التوريث العربية (صدام- القذافي – على عبدالله صالح – بشار الأسد – البشير – بن علي) انتهى في كل تلك البلاد، بطرق دموية ومهينة لهؤلاء الحكام. أما ديكتاتورية «مبارك»، فلأنها لم تكن دموية؛ فقد انتهت بطريقة أقل دموية، وأقل إهانة مما انتهى إليه بقية الديكتاتوريين العرب، فهو برفضه الهروب ومغادرة البلاد، قد ألزم التاريخ بأن ينظر إليه.. بحد أدنى من الاحترام، فقد كان مطمئناً – على الرغم من كل ما صاحب نظامه من فساد واستبداد – إلى أن يديه لم تُلوَّثا بدماء شعبه.. مثل أقرانه من الحكام العرب، وإن كنا نرى أن مجرد بقائه في السلطة لقرابة الثلاثين عاماً.. هو – في حد ذاته – إثم عظيم. 

الصوت العالي وأنصاف الرجال 

■ كان «عبدالحليم خدام» نائباً أول لرئيس الجمهورية السورية، خلال عهدي رئاسة «حافظ الأسد وولده». وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني «رفيق الحريري» (2005)، انشق «خدام» عن نظام «الأسد الابن»، وعاش في «باريس» لاجئاً سياسياً، واتهم «بشار» بأنه مَن أصدر الأمر باغتيال «الحريري». ومن منفاه، أدلى «خدام» بحديث صحفي في عام 2006، وردت فيه فقرة شديدة الأهمية والوضوح في دلالتها، وفيها يقول «خدام»: «الرئيس حافظ الأسد والرئيس أنور السادات توصلاً عملياً إلى القناعة نفسها، وهي أن الحرب الكلاسيكية مع إسرائيل غير ممكنة، وبالتالي الرئيس السادات أخذ خيار التفاوض واتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن الرئيس حافظ الأسد والقيادة في سوريا أخذا خياراً آخر، وهو الاستمرار في الخطاب السياسي المتصاعد.. أولاً: لإبقاء المشكلة قائمة، وثانياً: لأسباب داخلية، لأن إضفاء جو الحرب على البلد، يغطي الأخطاء الداخلية.. التي كانت تُرتكب، إضافة إلى ذلك، كان النظام في العراق.. يزايد على النظام في سوريا، وبالتالي ارتفع الصوت عالياً، وصار جزءاً من السياسة اليومية في سوريا، وبالتالي أيضاً.. مسألة الحرب الكلاسيكية انتهت». ا. هـ. 

■ «التصعيد السياسي لإبقاء المشكلة قائمة»!!، و«إضفاء جو الحرب على البلد للتغطية على الأخطاء الداخلية..»!! هكذا كان النظام السوري.. خلال حكم «الأسرة الأسدية» الأولى.. والأخيرة، بل كل نظم الشعارات الجوفاء، «النظم الصوتية» العربية.. التي لا يعنيها سوى التشبث بالحكم، والاستبداد والانفراد بالسلطة، وتأبيدها وتوريثها، بحجة «القضية الفلسطينية»، ولكأن الطريق إلى «القدس» وتحرير الأرض لا بد أن يمر بمحطة قهر الشعوب، وإفقارها، وإذلالها.  

لقد سقط «نظام الأسد».. لأنه – كما توقع «خدام» – «ليس من أحد يريد أن يقاتل ويُقتل.. من أجل نظام يراه فاسداً». 

■ اعتاد «بشار» التطاوُس والتطاوُل.. على زملائه من حكام المنطقة، (مصر والسعودية والأردن)، حتى إنه كان يصفهم – بلا حياء – بـ«أنصاف الرجال»، فأين ذهبت «رجولته».. هو ذاته، هذا الذي هرب في جنح الظلام كاللصوص الجبناء؟ 

■ بعد فرار «بشار الأسد»، بُث مقطع له يقول فيه.. عمّن يفر من وطنه: 

«مَن يفر إما إنسان قُدم له المال، فهو فاسد ومرتشٍ. أو شخص جبان.. هُدِّد من قِبَل إرهابيين، أو من جهات أخرى. أو لم يكن لديه أمل في مستقبل مشرق، فهرب إلى الخارج، أو شخص لديه طموح.. يعتقد أنه كان يجب أن يحصل على مكاسب معينة، أو مزايا معينة، أو مراتب معينة، فلم يحصل عليها، فقرر الهروب»..  

والآن بعد فراره، تُرى أين يرى نفسه من بين هؤلاء الذين وصفهم؟. ويا عزيزي القارئ هل عرفت مَن هم أنصاف الرجال حقاً؟ 

سقوط إعلام رياضي 

■ على مرأى ومسمع الملايين من جماهير كرة القدم – أثناء برنامج حواري رياضي – قال لاعب الكرة السابق: «لن أشجع النادي الأهلي في كأس العالم للأندية»، وطبعاً يُفهم من العبارة.. أنه يتمنى هزيمة النادي الأهلي في تلك المنافسة الدولية. 

■ إن مريض التعصب الكروي الأعمى، يحُول تعصبه دون إدراكه.. أن هناك – أحياناً – شيئاً اسمه «وعي وطني».. في المباريات الدولية، يعلو على الانحيازات إلى نادٍ بعينه داخل الوطن. وإن كان البعض – ممن يطلون علينا عبر الشاشات – قد بلغ حداً من الانفلات.. لا يستطيعون فيه مداراة تفاهتهم وخوائهم الثقافي، والافتقار إلى الروح الرياضية، فإن على المسؤولين – الذين يعلمون معنى المسؤولية – أن يمنعوهم من الظهور في وسائل الإعلام. وليس في ذلك حجر على حرية التعبير، فلهؤلاء «المختلين وطنياً» أن يعبروا كما يشاءون عن هوسهم الأعمى.. مع أصدقائهم على القهاوي، وليس أمام شاشات التليفزيون؛ إذ يجب أن يكون للإعلام المصري «كود» حدود، لا يجب تجاوزها إلى مناطق.. خطرة على السلام الاجتماعي، والوعي الوطني، من باب «التشجيع الكروي».  

ومن الغفلة، ألا ندرك أن الملايين من الشباب مشجعي «الكورة» – الذين تتم تنشئتهم عبر إعلام التعصب المجنون للأندية.. بلا كابح – هم عبوات مشحونة بالكراهية والعنف القاتل، (ولا ننسى مجزرة استاد بورسعيد، الأول من فبراير 2012)، التي يسهل انفجارها أيضاً.. لأي سبب آخر غير «الكورة». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة