عادل نعمان
عليك يا عزيزي الخضوع للجهات الرسمية.. المنوط بها الفتوى الشرعية الخاصة.. في دولتنا المدنية(!) دون غيرها. ولا تستفت قلبك.
وقد حددها القانون بهيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، ودار الإفتاء المصرية، واللجان المشتركة، وأئمة وزارة الأوقاف – الذين تتوافر فيهم مجموعة شروط – نوجزها: ألا تقل السن عن ثلاثين عاماً، خريج إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر، وألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة تأديبية، وأن يكون محمود السيرة والسمعة، معروفاً بالورع والتقوى، له إنتاج علمي منشور في أحد المذاهب الفقهية.
وعليك يا صديقي، أن تظن أن هذا القانون قد أُعد.. لتوسيع مساحة جهة رسمية معينة، وإطلاق يدها لفرض سيطرتها الدينية.. على خلق الله، أكثر مما تمارسه في الدعوة والوعظ والإرشاد، ولا يتفق مع مهامها التي أُقيمت من أجلها. وعليك أيضاً – حين تفتح عينيك في الصباح – أن تتابع المواقع وشبابيك الفتوى وصغار الشيوخ.. لتختار لون يومك ومسائك، وأكلك وشرابك.
وما أثار حفيظتي ومخاوفي، هو المادة التي حددت العقوبة الواجبة على كل من يخالف المادتين (الرابعة والعاشرة) وهي:
«والعقوبة على من يمارس الفتوى من غير هؤلاء، هي الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العودة تضاعف العقوبة».
والمادة (الرابعة) تحدد المشرع فيها الجهات المنوط بها الفتوى وذكرتها سابقاً.
والمادة (10)، هي على أن تلتزم المؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي.. عند نشر الفتاوى الشرعية، بأن تكون صادرة عن المختصين.. وفقاً لهذا القانون، وكذلك عند استضافة أشخاص للإفتاء الشرعي.
وتعال معي إلى مخاوفي: إذا كانت الفتوى (رأي).. يمكن الأخذ به من عدمه، فماذا مثلاً عن فتوى قتل المرتد، أو تارك الصلاة (وهما ثابتتان راسختان في كل مدارس الفتوى)، ولن يخرج أحد من اللجان المذكورة عنهما، أو يخالفهما؛ وإلا فقد خرج عن الإجماع، وأنكر معلوماً من الدين.. بالضرورة. وإذا خرجت أنا – أو غيري من الكتّاب – على السوشيال ميديا، أو في مقال لإحدى الصحف، أو تصريح لإحدى الفضائيات.. نواجهها بالرفض والإنكار، بل ونستنكرها.. ونعتبرها مخالفة للقانون ولحرية الرأي والعقيدة، وليست من القرآن والإسلام في شيء، فهل يعتبرون هذا حرية رأي، أو فتوى سلبية مخالفة للقانون؟ وماذا عن بعض الأساتذة والمشايخ المؤهلين للفتوى. لكنهم مستبعدون عنها.. وفقاً لذات القانون (قصداً)؟ وفي حالة الرفض أو الخلاف.. هل يعتبرون رأيهم حرية خاصة؟ أو فتوى مناهضة للفتوى الرسمية، ويستحقون العقوبة؟ ثم ماذا لو اتفقت فتوى هؤلاء المستبعدين.. مع فتاوى هذه الجهات المعتمدة الرسمية، هل يقع تحت طائلة القانون، لتعديه على أصحاب الحق الأصيل في الفتوى.. وفقاً لنص القانون؟
والشيء بالشيء يُذكر، فإن قانون ازدراء الأديان – الصادر عام 1982 – كان المقصود منه مواجهة الجماعات الإرهابية والمتطرفين.. الذين وجهوا سهامهم وسيوفهم إلى المسيحيين وكنائسهم؛ إثر الأحداث التي صاحبت الفتنة الطائفية في الزاوية الحمراء، وما تلاها من كوارث جسام، إلا أنها لم توجه – مرة واحدة – لمتطرف منهم، أو للمشايخ الذين حرضوا على الفتنة، بل وجهت سهامها إلى الطرف المظلوم، والمثقفين والتنويريين وأصحاب الرأي، وحبس منهم من حبس.. حتى طال الحبس أطفالاً صغاراً.. عن فيديو مدته ثلاثون ثانية، رداً على قتل أشقائهم في ليبيا.
لست بمطمئن إلى تعريف الازدراء في هذا القانون المطاط والمعيب، الذي يطول المثقفين.. أكثر مما طال المتطرفين؛ بل كان رحيماً بهم، وشديداً – أشد ما تكون الشدة – على أصحاب الرأي والفكر. وعهدي.. أننا – حين نشرع القانون – غالباً يفلت منه السائب، ويصاب به المربوط. أما وجه الشبه، فربما نعتبر حرية الرأي ورفض واستنكار الفتوى.. مخالفة قانونية، وكذلك نكيد لمن هم أهل للفتوى.. من الأساتذة والمشايخ المؤهلين، وغير مصرح لهم، ونمسك بتلابيبهم ونسيب السايب.
ثم هل نحن في حاجة إلى كل هذه السلطات، والولايات، والجهات.. للفتوى؟ وماذا عن سيل الفتاوى التي تطفح بها القنوات الخاصة والمنابر؟ هل تستطيع جهة ما.. وقف سيل هذه الفتاوى؟، وهل استطاعت الجهات المسؤولة – على مدى السنوات السابقة – منع خطباء الجمعة.. غير المرخص لهم بالخطابة، من صعودهم المنابر؟ وهل تستطيع منع فتاوى التحريض والعنصرية والاستعلاء على الغير ومحاربته؛ وهي فتاوى متفق – ومجمع عليها – ولا ينكرها أحدهم؟ ثم ماذا لو دفع أحدهم.. بأن التكاليف الإلهية منوط بها عموم المسلمين، وليست فقط لخاصتهم، فإذا كانت (الفتوى) أن من حق آحاد الناس أن يقيم حدود الله، إذا امتنع الحاكم عن تنفيذها، فكيف نجرم من أفتى، ولا نجرم من قتل؟ ثم ماذا لو تقدم هذا المخالف.. بفتاواه المتطرفة – وللأسف متفق ومجمع عليها – هل خالف معلوماً من الدين بالضرورة؟ أو خالف القانون؟ ومن منهما ينسخ ويلغي الآخر؟
ارفعوا هذه السيوف عن رقابنا.. أثابكم الله، وعفا عنكم، ووقانا شرور قوم لا يعلمون.
(الدولة المدنية هي الحل)
نقلاً عن «المصري اليوم»