عادل نعمان
ونستكمل حكايات معاوية… قلنا إن سيرة معاوية ليست ككل السير، وسعت من الاستحسان والاستحباب ما وسعت له ذمم المريدين، وضاقت من الاستنكار والاستياء ما ضاقت به صدور المناهضين، بين ثناء من يجملها ويزينها من أهل السنة، ومن يعيبها ويقبحها من أهل الشيعة؛ حتى أصبحت سيرته إحدى فرق الصراع الشيعي السني، تبدأ عند الانتصار لأهل السنة.. على حساب الحقيقة، وتنتهي عند هزيمته.. لحساب الباطل عند أهل الشيعة، وكانت آخر معاركه «مسلسل معاوية».. من إنتاج حزب السنة؛ فقد انتصر للحلف.. حين تجاوز وأنكر وعبر.. على أحداث ما كان يجب أن يعبرها، أو ينكرها، أو يتجاوزها. وكانت كمن بنى بيتاً دون درج، فكان التسلق للترقى شاقاً ومهلكاً على المشاهد.
وسأبدأ حكاية البيعة، عندما طلب معاوية من «الضحاك» – عبد الرحمن الضحاك بن قيس، حضر مع معاوية حرب صفين، وولاه معاوية ولاية دمشق – أن يطلب البيعة ليزيد ابنه، فوقف وسط القوم فى المسجد وهو يشير إلى معاوية ويقول: «هذا أمير المؤمنين، فإن هلك (مات) فهذا، وأشار إلى ابنه يزيد، ومن أبى (رفض) فهذا»، وأشار إلى سيفه. فقال له معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء.
هكذا بدأت البيعة ليزيد، فمن ذا الذي يرفضها إن كان من نصيبه سيف معاوية؟!
وقد استنَّ معاوية سُنَّة لم يعهدها الصحابة من قبل، وابتدع بدعة لم يبتدعها غيره، أن جعل ولاية العهد من بعده لابنه يزيد، وعقدها ميراثاً، وأجازها ملكاً عضوضاً لأحفاده. وكذلك لم يلتزم معاوية بالشورى.. التي ألزمه بها الحسن بن علي في بنود المصالحة؛ أن يكون الأمر شورى بين المسلمين، وليست وقفاً لأحد منهما. وكانت بيعة يزيد مرفوضة من أبناء الصحابة: الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر «وقد مات قبل موت معاوية»، وعبد الله بن عمر.
وتناقل الرواة مقتل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، قاتل مع أبيه خالد معركة اليرموك، وكان من جنود معاوية في غزو الروم، وولاه عثمان ولاية حمص، وكان أحد قادة جيش معاوية ضد علي في موقعة صفين، وبعد الحرب ولاه معاوية أمر حمص، وكان محبوباً من أهلها، وقالوا فيه: «كان يُدني شريفنا، ويغفر ذنبنا، ويمشي في أسواقنا، ويشهد جنائزنا، ويعود مرضانا، وينصف مظلومنا»، حتى دعا له مؤيدوه بالخلافة، ووصل هذا إلى مسامع معاوية، وجاء في «ابن الأثير وتاريخ الرسل» أن معاوية خاف على نفسه من عبد الرحمن، بعد أن ذاع صيته ومالت إليه قلوب أهل الشام، فأمر طبيبه «ابن آثال» أن يحتال في قتله، وضمن له أن يضع عنه خراجه، فلما عاد عبد الرحمن من بلاد الروم موجوعاً، دسَّ له «ابن آثال» السم في شرابه، فمات في حمص، وأزاح عبد الرحمن عن طريق يزيد.
ولما رأى معاوية رفضاً من وجهاء المدينة، قرر زيارتها.. وهو في طريقه للحج، وقبل دخوله المدينة تسلل منها ابن الزبير وابن أبي بكر ليلحقا بالحسين في مكة، أما عبد الله بن عمر فقد بايع معاوية فى المدينة.. مع من بايعه منهم، وفيما قالوه: إن عبد الله بن عمر – في هذا – لم يكن يود مفارقة الجماعة، وليس الأمر كذلك، فقد كانت هذه طبيعته كما وصفها أبوه عمر. واستقر الحسين في مكة.. ورفض بيعة يزيد، وكذلك عبد الله بن الزبير، ولم يجمعهما طريق، وتراسل أهل الكوفة مع الحسين على خلع يزيد، وتنصيبه خليفة للمسلمين، ولها حكاية حتى مقتله.. هو وأغلب أهل البيت. أما عبد الله بن الزبير فقد اجتمع له أمر الحجاز.. حين خلع أميرها، ودكّت مجانيق يزيد الكعبة، وصُلِب ابن الزبير على أبوابها، ولها أيضاً حكاية.
وعن يزيد، فقد كثر فيه القول، وأكثر القول شيوعاً.. أنه لم يكن أهلاً للخلافة، ولو لم يكن معاوية أباه ما وصل إليها؛ حتى لو اشترى ذمماً كثيرة، إلا أن سيف معاوية – الذي رفعه الضحاك – هو الذي حسم أمرها، وهانت الخلافة ودانت لمن لم يستحقها. وهذا ما قاله الشافعي عن ابن خلكان: «هو اللاعب بالنرد، والمتصيد الفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم». وسألوا أحمد بن حنبل: أيؤخذ الحديث عن يزيد؟ فقال: لا، ولا كرامة، أوَليس هو من فعل بأهل المدينة ما فعل؟! وقيل له: إن قوماً ما يقولون: إنا نحب يزيد، فقال: وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر؟! وقال الذهبي: «وكان فظَّاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر». عموماً قد أنكره العموم، ورأوا بيعته بيعةَ إكراه.
«الدولة المدنية هي الحل».
نقلاً عن «المصري اليوم«
