Times of Egypt

بل هو تنافس الأحياء

M.Adam
وجيه وهبة 

وجيه وهبة..
الناس بطبعهم أنانيون، وهم في حالة تنافس وصراع دائم.. لتحقيق رغباتهم، وينجم عن ذلك صدامات وحروب وفوضى. ولهذا تبرز أهمية وجود سلطة مركزية مستبدة.. هائلة القوة (ليفاثيان/ تنين)، تنشأ عبر تفويض، يفوض فيه أفراد المجتمع.. هذه السلطة – المكونة من فرد أو مجموعة أفراد -تفويضاً مطلقاً، يتخلون فيه عن حقوقهم الطبيعية لتلك السلطة – وذلك – لتفعل ما تراه لازماً.. لفرض وحفظ الأمن والأمان المجتمعي والسلام، والدفاع عن الوطن. هذه هي خلاصة نظرية العقد الاجتماعي.. عند الفيلسوف «المادي/الرباني»!«توماس هوبز»،التي عرضنا لها سابقاً، من خلال كتابه «ليفياثان» (التنين) الصادر عام 1651.
■ على الرغم من أنه لم يُعرف عن «هوبز» تدينه، بل كثيراً ما وُصف بالملحد، إلا أن «الدين» يمثل ركيزة مهمة في عقده الاجتماعي. فهو قارئ جيد للتاريخ، ويعلم جيداً دور الأديان.. كأداة من أدوات الحكم والسيطرة، في تلك الآونة وما سبقها من أزمنة. ولا بد أنه قد تمثَّل قول «مكيافللي» – في كتابه «الأمير» – أن على الحاكم «أن يبدو أمام شعبه متديناً» (وهنا نلاحظ أن مكيافللي.. لم يطلب من «الأمير» أن يكون متديناً، بل أن يُظهر تديناً أمام الشعب. وهذا لا يعني أن يكون بالضرورة.. متديناً حقاً). وعبر التاريخ ومنذ القدم، كان الدين أداة وتكأة للغزو والاستعمار.. شرقاً وغرباً، تارة باسم الدعوة، وتارة باسم التبشير والتحضر. وكان أيضاً أداة مهمة للحكم، والتحكم في الناس، مهما اختلفت طبيعة هذا الدين، ومهما اختلفت ثقافات المجتمعات. بل كثيراً ما كانت شرعية الحاكم.. تتأتى من الدين؛ففي الحضارات القديمة، كان من المعتاد أن تقترن بالحاكم صفة الألوهية؛ سواء بذاته، أو بنسبته لإله.. كما كان الحال في حالة قدماء المصريين على سبيل المثال.
كذلك كان الأمر ـ بدرجة أو بأخرى ـ في القرون الوسطي.. وفي أعقابها، فكان هناك في أوروبا، ما يسمى «الحكم بسلطة الحق الإلهي»، أو الحكم بموافقة أو بمباركة ورضاء السلطة الدينية، ممثلة في «بابا» الكاثوليك. ولم تكن الأمور تختلف كثيراً.. بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، فيما يتعلق بدور الدين في الحكم وتولي الحاكم، فمن حكم «الخلفاء»، (وفي الاسم وحده كل معاني الحكم باسم الدين) إلى تخريجات الفقهاء عبر العصور، التي يؤدي أغلبها إلى وجوب طاعة الحاكم، لأن «طاعة أولي الأمر.. من طاعة الله».
■ ولا يفوتنا أنه – وباسم الدين أيضاً – تكون هناك المعارضة والتمرد على الحكام. فالأديان جميعها – كنصوص – «قُلَّب، وحمالة أوجه». وبمرور الزمن، تتشظى وتنشأ المذاهب والفرق، وتتعدد التفاسير، وتختلف التأويلات لذات النص الواحد المقدس. وفي هذا مكمن الخطر على المجتمعات، تلك التي تتشظى بدورها. وتنشأ الصراعات والصدامات، والتعصب والاضطهاد، والحروب الدينية والمذهبية. وهنا يعلو رويداً رويداً صوت العقل.. «العلمانية» (كما كان الأمر في أوروبا)، وتزداد الحاجة إلى فصل الدين عن الدولة، أو فصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية (السياسية/ المدنية)، وذلك دفاعاً عن الجميع، وحفاظاً على كل من «الدين» و«الدولة»، وصوناً لحق الجميع في الاعتقاد الآمن.
وهنا أيضاً، تبدَّت وجهة نظر أخرى.. لحفظ الأمن والسلم المجتمعي، أوجزها «هوبز»..في ضرورة سيطرة السلطة السياسية (الزمنية)..على السلطة الدينية،التي تصبح هي المرجعية المركزية والوحيدة، صاحبة القول الفصل في الشؤون الدينية، تتبع الحاكم وتدعمه، وتكون جزءاً من البنية السياسية والاجتماعية، وأداة من أدوات الحاكم في حكمه. وفي هذا الإطار، انتقد «هوبز» البابوية، فالسيادة يجب أن تكون مطلقة للملك أو الحاكم.. وهو أعلى سلطة في الدولة. ويجب ألا تكون هناك سلطة روحية تعلوه. وعليه، يجب أن يكون ولاء الناس للحاكم والحكومة، وليس للبابا والكنيسة. لأن تعارُض الولاءات مفسدة، ومدعاة للاضطرابات. و«البابوية.. ليست سوى شبح الإمبراطورية الرومانية الراحلة، تجلس متوجة على قبرها».
■ تمهيداً لوجهة نظره.. في ضرورة أن تكون السيادة واليد العليا للسلطة الزمنية، خصص «هوبز» فصلاً في كتابه لتجديد «الخطاب الديني» (بلغة أيامنا هذه)؛ منتقداً بعضاً من المفاهيم والتفسيرات التقليدية للكتاب المقدس، واللاهوت الكاثوليكي. كما انتقد – في حدة – بعض الممارسات والطقوس الكنسية المتوارثة، التي تغرق في رمزيتها (مثل طقس «التناول».. «الإفخاريستا»)، وعدَّها ممارسات وثنية.. موروثة من مجتمعات ما قبل المسيحية، أو دخيلة على المسيحية، كما وصفها بالخزعبلات والخرافات.. التي تتنافي مع العقل، ومع الصالح العام.
■ وعن تجديده – المتصور – للخطاب الديني، يقول «هوبز»: «أفترض أنه حين لا يمكن للتجديد أن يسبب متاعب ولا اضطراباً في الدولة، فإن ميل الناس إلى تبجيل القديم.. لا يبلغ – عموماً – حد تفضيلهم الأخطاء القديمة، على الحقائق الجديدة المثبتة على نحو جيد». ويقول أيضاً عن الخطاب الديني التقليدي السائد (في زمنه):
«إن الآراء التي يؤخذ بها، بسبب قدمها فقط.. ليست – بالضرورة – معبرة عن الذين يستشهدون بها، بل هي كلمات تمر – مثل التثاؤب – من فم إلى فم، ومع أنني أحترم رجال الأزمنة الغابرة، الذين إما سجلوا الحقائق مبكراً، أو وضعونا على الطريق الأفضل.. لكي نكتشفها بأنفسنا، فإنني لا أعتقد أننا ندين بشيء إلى الزمن القديم.. في حد ذاته، لأنه لو كان علينا أن نحترم العمر، فإن الحاضر هو الأكبر سنّاً. ولو كان علينا أن نحترم قدم الكاتب، فإنني غير متأكد.. مما إذا كان من يعزى هذا الشرف عادة إليهم؛فهم أكبر سناً منى.. أنا الذى أكتب اليوم، ولكننا إذا تفحصنا الأمر جيداً، نجد أن امتداح السلف من الكتاب القدامى.. لا يتأتى من احترام الموتى، بل من تنافس الأحياء وغيرتهم المتبادلة».
■ لقد كانت أفكار «هوبز» تجديدية في زمنها، كانت إرهاصة علمانية، ومعولاً مهماً.. ساهم في وأد الدولة الدينية، في زمن صعب، انتهى واندثر في الغرب. ولكنه ما زال يواصل مسيرته بنشاط هنا.. في الشرق.
نشطاء الوعظ الديني
«لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد.. ويحب الآخر، أو يلازم الواحد.. ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال». (إنجيل متى)
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة