عبدالله عبدالسلام
من يصنع التاريخ؟ القادة العظام والزعماء أم القوى الاجتماعية والاقتصادية والناس العاديون؟
هذا فحوى مقالي المنشور أمس الأول في هذه المساحة بعنوان: «صانع تاريخ أم قطعة شطرنج؟!»، إلا أن الصديق المهندس صلاح دياب – مؤسس «المصري اليوم»، ورجل الأعمال البارز – اتصل بي ليُبدي رأياً مختلفاً؛ وجهة نظره أن من يصنع بلداً متقدماً ليس الإمكانات القائمة، ولا الزعيم الملهم، بل الخيال.. الذي بفضله تقدمت دول، وبغيابه تراجعت أخرى.
الفارق بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.. خيال الحكام. بالرغم من أن الشطر الشمالي يمتلك ثروات أغنى من الجنوبي، إلا أن كوريا الجنوبية تفوقت وأصبحت من القوى الاقتصادية والتكنولوجية الكبرى في العالم بالخيال، بينما قبعت كوريا الشمالية في كتب التاريخ والأيديولوجيا.
في الصين، وبعد عقود من حكم ماوتسي تونج والمزارع الجماعية والاشتراكية.. التي تجاوزت اشتراكية الاتحاد السوفيتي، كان خيال الزعيم الراحل دينج شياو بينج – الذي بدأ من حيث انتهى الآخرون – هو من صنع النهضة. الصين ترسل 600 ألف مبعوث إلى أمريكا والغرب، يتعلمون شتى العلوم ثم يعودون بالخبرات المطلوبة لأية صناعة أو عمل.
ماذا عنا وعن خيالنا؟ يقول صاحب العمود الشهير «نيوتن»، والآن «بعيون مصرية»: «نريد تأهيل وتعظيم قدرات الدبلوماسيين أو وكلاء النيابة أو أئمة وزارة الأوقاف؛ نعطيهم دورات تدريبية في الأكاديمية العسكرية. في نهاية الأمر، كم عددهم بالقياس إلى مبعوثي الصين إلى الخارج، وأين البعثات التعليمية المصرية إلى الغرب – التي بدأت منذ محمد علي ورفاعة الطهطاوي، ثم الخديو إسماعيل – الذي امتلك خيالاً جعله يرى مصر قطعة من أوروبا. إسماعيل استقدم مهندسين معماريين بنوا القاهرة الحديثة بنفس تصميمات باريس.
نشكو من قلة المياه اللازمة لتوسيع الرقعة الزراعية، لكن بالخيال يمكننا زيادة مساحة الأراضي المزروعة.. بالمتاح لدينا من مياه، إذا اتبعنا الأساليب الحديثة في الري بالتنقيط، الذي يوفر 70٪ من المياه، و90٪ من السماد، لكننا نُلقي بالمشكلة على (سد النهضة).. كي تكون الحجة التي تمنع تطوير زراعتنا ونظم الري عندنا. نحن لا نخترع العجلة من جديد. يكفي اللجوء للذكاء الاصطناعي الذي سيقول لنا إن الري بالتنقيط – وليس الغمر – يمكنه زيادة الإنتاج وتوفير المياه والأسمدة وتوسيع الرقعة الزراعية».
يستطرد مؤسس «المصري اليوم» قائلاً: «في مذكراتي التي صدرت مؤخراً بعنوان: (هذا أنا)، أرجعتُ كل شيء عملت، ونجحت فيه.. إلى الصُّدف، وكذلك الخيال. فتحت (لابوار) للحلويات، مع أنني لا أستطيع عمل (بيض أومليت)، لكنني وظفت أفضل صانعي الحلويات في العالم.. وأطلقت قدراتهم وخيالهم لكي نقدم شيئاً مختلفاً ومتفرداً. وهكذا الأمر في شتى المجالات التي عملت فيها. ما ينقصنا هو الخيال. للأسف نبحث عن شماعة لتفاديه. نُلقي باللوم على أسباب خارجية، لا ذنب لنا فيها، لنبرر مشاكلنا وتعثرنا، من وباء كورونا إلى حرب أوكرانيا، ثم حرب السودان وعدوان غزة، وقبل ذلك سد النهضة. بما يعني أن المشكلة ليست من عندنا».
يختتم المهندس صلاح دياب حديثه معي متسائلاً: «ماذا ينقص مصر؟ المشروعات موجودة، والأموال يمكن اقتراضها. الخيال هو اللغز الذي لم نفك شفرته بعد».
نقلاً عن «المصري اليوم»