Times of Egypt

بلير وكوشنر والخطط الترامبية! 

M.Adam
عبدالله السناوي 

عبدالله السناوي 

لا أفق سياسي.. لما بعد الحرب على غزة؛ كلام عام ومبهم، مفاوضات معطَّلة، وفوضى لافتة.. في خطط الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».

كان استدعاء رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «توني بلير»، ومستشار الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى وصهره «جاريد كوشنر».. إلى ملف غزة – بكل تعقيداته ومآسيه – مقلقاً بذاته.

أضفى البيت الأبيض على الاجتماع – الذي ضمَّ الرجلين إلى الرئيس الأمريكي وعدد من كبار مساعديه – تكتماً مشدداً؛ باستثناء بعض التسريبات.. التي تبارت في نشرها المواقع الصحفية الأمريكية.

في التكتُّم.. إشارة إلى خطورة الاجتماع، غير أن البيت الأبيض مال إلى تخفيض أهميته.. قبل أن يبدأ!

غاب العرب – كلهم لا بعضهم – عن المداولات؛ التي تدخل في صميم مستقبلهم ووجودهم، فيما حضرها «رون ديرمر» – وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي – ممثلاً شخصياً موثوقاً لرئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»؛ حتى يلم بأدق ما حدث فيها.

رغم شح المعلومات والتسريبات، إلا أن خلفية الوافدين الجديدين القديمين «بلير» و«كوشنر».. أضفت أجواء شك وريبة على توجهات الاجتماع، وما قد يسفر عنه.

الأول، سجله السياسي في أزمات وحروب الشرق الأوسط.. لا يشجع على أي ثقة؛ وفق الوثائق الرسمية – التي احتواها تقرير لجنة التحقيق البريطانية في ملابسات حرب العراق.. برئاسة السير «جون تشيلكوت» – تعهَّد «بلير».. في رسالة خطية للرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش»، بالمُضيِّ معه إلى النهاية في «سبتمبر 2002» قبل الغزو بشهور طويلة.

كعادة التغطيات الصحفية الدولية لمثل هذه التقارير، فإنها تلتقط من بين آلاف الصفحات والوثائق والشهادات.. ما هو جوهري وكاشف.

وقد وجدت – في رسالة «بلير»، بخط يده – ما يثبت توجهه لدعم سياسات «بوش»؛ بغضِّ النظر عن أية قواعد تقتضيها مسؤولياته، أو أية مصالح بريطانية.

رغم اعتذار «بلير».. لأسر الضحايا البريطانيين، إلا أنه يصر على عدم تحمُّله أية مسؤولية عن تفشي الإرهاب، ولم يجد في نفسه أية نزعة لاعتذار مماثل للضحايا العراقيين، ولا لما جرى في العالم العربي؛ ومن بينه تقويض القضية الفلسطينية.. التي تولى – لثمانية أعوام – رئاسة «الرباعية الدولية».. بحثاً عن حل لها دون جدوى.

كان إسناد ذلك المنصب إليه، نوعاً من المكافأة الأمريكية على دوره في الحرب على العراق.

وقد حصل على مكافآت أخرى من العالم العربي!

فشل تماماً في مهمته.. لإنجاز اتفاق شامل فلسطيني-إسرائيلي، وكان انحيازه لإسرائيل كاملاً.

والثاني.. مستشار «ترامب» للشرق الأوسط في ولايته الأولى، وهو مهندس ما أُطلق عليها «صفقة القرن».

بقوة الحقائق، تقوَّضت «صفقة القرن»؛ التي بمقتضاها يحصل الإسرائيليون على كل شيء، ولا يحصل الفلسطينيون على أي شيء.

كان مطلوباً أن يسلم الفلسطينيون.. بأن القدس عاصمة أبدية وموحَّدة للدولة العبرية، وهذه مسألة دونها حمامات دم.. لا يعرف أحد آخرها؛ فللقدس رمزيتها الدينية.. التي يستحيل تجاوزها.

كان مطلوباً، نوعاً من الإقرار بضمِّ الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، وهذه مسألة دونها صدامات حياة أو موت.. لأكثر من (2.5) مليون فلسطيني، يعيشون في الضفة الغربية.

كان مطلوباً شطب حق العودة – المنصوص عليه في القرارات الدولية – وهذه مسألة لا يملك أحد التصرف فيها؛ بالنظر إلى أن هناك كتلة فلسطينية كبيرة.. تعيش في المخيمات ومناطق اللجوء، ويستحيل تصوُّر أن تقطع صلاتها بجذورها في الأرض المحتلة.

وكان مطلوباً ربط أجزاء من شمال سيناء.. بقطاع غزة؛ كأنه مشرط جراحي، يتلاعب بالجغرافيا السياسية التاريخية.. لمقتضى المصالح الأمنية الإسرائيلية وحدها.

لم يكن أحد في القاهرة.. مستعداً لمجرد الاستماع إلى ذلك الاقتراح؛ حسب ما نشره في ذلك الوقت موقع «ديبكا» الإسرائيلي.

ثم كان مطلوباً – كاقتراح بديل – إنشاء مناطق صناعية في شمال سيناء؛ لتوفير الوظائف لسكان غزة، وميناء بحري.. لانتقال مواطني القطاع منه وإليه، تحت إشراف قوات الاحتلال. 

… وانتهى أمره إلى نفس الفشل.

تكاد تتلخص «صفقة القرن»، في خلق الحقائق على الأرض.. بالقوة، واستبعاد أية مرجعيات دولية، أو جداول زمنية.. مقابل وعود بتحسين شروط الحياة في قطاع غزة المحاصر، وفصل مصيره عن القضية الفلسطينية.

بتلخيص.. مفرط في عنصريته، يرى «كوشنر» أن الصراع العربي الإسرائيلي، ليس أكثر من نزاع عقاري!

الأفكار نفسها، تطرح نفسها من جديد.. في ظلال حربي الإبادة الجماعية والتجويع المنهجي.

جوهرها إلغاء القضية الفلسطينية.. كقضية تحرُّر وطني، وإعادة طرح مشروع تحويل قطاع غزة.. إلى واجهة سياحية واستثمارية – «ريفييرا الشرق الأوسط» – والعودة إلى مشروعات التهجير القسري.

… إنها أفكار «كوشنر».

بنص تعبيره: «إن الواجهة البحرية لغزة، يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة.. إذا ما تم إخلاء المكان من سكانه، ثم تنظيفه».

طرح فكرته على «ترامب».. في ولايته الأولى.

بعد شهر واحد من عودته إلى البيت الأبيض، وجدت طريقها إلى العلن.

المعنى الواضح والمباشر.. للعودة إلى مثل هذه الأفكار والمشروعات – التي يتبناها «بلير» هو الآخر – أن سيناريو التهجير القسري.. ماثل على الحدود المصرية، غير أنه أكثر دهاء.. من أن يدعو علناً إلى ذلك الخيار.

بصورة أو أخرى، فإن إدارة «ترامب» – وهي تخطط لليوم التالي – تميل إلى إفساح المجال لتوسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، حتى يكون ممكناً الوصول إلى هذه النقطة الخطرة.

… بذرائع إنسانية مدعاة، سوف يتم دعوة الفلسطينيين إلى مغادرة غزة.

الخطط الترامبية المقترحة.. أقرب إلى حقيبة متفجرات، تقذف بالمنطقة كلها إلى المجهول.

نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة