عمار علي حسن
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – بشكل مفاجئ – وقف الحرب بين إيران وإسرائيل، وحديثه عن إنقاذ الشرق الأوسط من الدمار، صار السؤال مشروعاً وضرورياً.. حول ما إذا كانت إسرائيل قد أدركت – جراء ما طالها من أذى.. غير مسبوق في هذه الحرب – أن السلام بات لها «خياراً»، مثلما تبناه العرب في قمة بيروت عام 2002؟
أو – على الأقل – يكون السؤال هو: هل يمكن أن تعود إسرائيل إلى تداول.. حول تصوُّر شيمون بيريز – رئيس وزرائها الراحل، وأحد قادتها الكبار – الذي بناه على دور كبير لإسرائيل في المنطقة، يقوم على الاقتصاد والثقافة، وليست القوة العسكرية المفرطة؛ مثلما يتبنى الآن بنيامين نتنياهو؟
أعتقد أن التفكير في هذا السؤال.. يدور الآن في أذهان ساسة داخل إسرائيل – بدرجة كبيرة لدى معارضي الحكومة الحالية، ودرجة أقل عند أعضائها.. الذين لم يسمع أحد منهم منذ انطلاق «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023، سوى حديث عن الثأر والقتل والتدمير، والاستئصال وإخضاع «الأغيار» بالسلاح – لكنه بالقطع سيدور في أذهان كثيرين من أفراد الشعب الإسرائيلي نفسه، الذي عرف الآن معنى الحرب.. أكثر من أي وقت مضى.
فمن قبل، كان الجيش الإسرائيلي يخوض حروبه خارج الأرض التي يعيش عليها الصهاينة.. تحت لافتة «الحدود الآمنة». وكان كثير من هؤلاء ينظرون إلى كل من – وما – حول إسرائيل.. باعتباره مجالاً حيوياً لها، وأنها قادرة على إلحاق الأذى بهم، دون أن يتعدى الأذى المضاد حدود الجيش.
اليوم، رأى الإسرائيليون أن قدراتهم الدفاعية – التي صدت عنهم صواريخ قصيرة المدى، محدودة القدرة على التدمير، فاقدة إمكانية التصويب الدقيق، لدى «حزب الله» في لبنان و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة – قد عجزت عن التصدى لكل الصواريخ التي أطلقتها إيران، وطالت قدرات عسكرية، ومؤسسات حيوية، وألحقت بكثير من البيوت في تل أبيب نفسها قدراً من الدمار.
ويدرك هؤلاء.. أن الضربات التي وجهها سلاح الجو الإسرائيلي لقدرات إيران النووية والصاروخية، لم تأت عليها كلها، وربما لا يصدقون حديث نتنياهو عن تمكن المقاتلات الإسرائيلية.. من تقليل فاعلية هذه الصواريخ، وهم رأوها تنهمر على إسرائيل.. حتى الساعات الأخيرة التي سبقت وقف القتال، وأن ما تبقى لدى إيران – وما بوسعها أن تستعيده في قابل الأيام، سواء كنا سنمر بهدنة أم وقف تام للحرب – بمقدوره أن يعيد ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، ويجبر كثيرين منهم على التفكير في مغادرة مؤقتة، أو هجرة بلا عودة.
الحقيقة، لم تعدم إسرائيل مدافعين عن «سلام نسبي» من قبل، رأينا هذا متجسداً في جماعة يسارية تسمى «حركة السلام الآن»، تأسست عام 1977، وأطلق أعضاؤها على أنفسهم «الصهاينة العقلاء»، الذين.. وإن كانوا يعلنون ولاءهم للدولة، فإنهم يرفضون أطروحات اليمين الديني المتطرف حولها. ورغم أن الحركة لا ترفض العنف دفاعاً عن الدولة وأمنها، ولا تناهض المؤسسة الحاكمة، وترفض إقامة دولة فلسطينية، فإنها تطالب بالتخلي عن «أرض إسرائيل الكاملة»، وضرورة الاعتراف بحق الوجود القومي للفلسطينيين، وتؤيد تقليص المستعمرات، مقابل تخلي الفلسطينيين عن المقاومة، وحق العودة، وهذا ليس بالقليل.
ورغم أن الحركة اتخذت موقفاً من «طوفان الأقصى».. لا يختلف كثيراً عن اليمين المتطرف، فإن من المرجح أن تعود إلى خطابها النقدي، وموقفها المغاير.. بعد اثنى عشر يوماً من الحرب ضد إيران، وقد يجد هذا الخطاب آذاناً سامعة في صفوف الشعب الإسرائيلي في قابل الأيام.
لقد تعاملت إسرائيل – من قبل – مع «السلام».. باستهانة شديدة، فلم ترد بالإيجاب على تبني الدول العربية له «خياراً استراتيجياً»، بل لم تلتزم بتنفيذ بنود اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، ولم توقف الاستيطان، ولم تكف عن شن حرب – بين حين وآخر – على لبنان وقطاع غزة، وواصلت ضرباتها لسوريا.. قبل ثورتها وبعدها، إلى أن تمكنت من تدمير أغلب مقدرات الجيش العربي السوري.. بعد سقوط نظام بشار الأسد. وحتى لو كانت قد أبرمت اتفاقيتي سلام مع مصر والأردن، فلم تكف أصوات بين الساسة الإسرائيليين عن إعلان طمع في سيناء، أو حديث عن تهجير أهل غزة إلى مصر، وأهل الضفة إلى الأردن. ولا تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية، والجولان السورية؛ التي ضمتها إليها من طرف واحد، وسبق لطيرانها الحربي أن ضرب المفاعل النووي في العراق، ومقار لمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
ربما تتنصل الحكومة الإسرائيلية الحالية من هذا الاتجاه، وتواصل إيمانها بمسار الحرب.. معتبرة – ولو على سبيل الدعاية – أنها قد حققت نصراً على إيران. وليس هناك ما يمنع نتنياهو من هذا.. في ظل إصراره على الهروب إلى الأمام، ليؤجل عقابه؛ سواء بسبب اتهامه بالفساد، أو لما جرى إبان إطلاق طوفان الأقصى. وربما يقرع اليمين المتطرف طبول الحرب مجدداً، أو يعتقد أن حديث السلام الآن.. يعني إبداء قدر من الضعف؛ لاسيما من بين أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بأن إسرائيل.. لا تستطيع أن تعيش بلا حرب. لكن من المؤكد، أن التجربة المختلفة – التي عاشها الشعب الإسرائيلي خلال الحرب ضد إيران – ستفتح باب النقاش حول مسائل.. كان يُعتقد من قبل أنها راسخة؛ مثل «فرض الأمر الواقع بالقوة المسلحة»، و«الحدود الآمنة»، و«الثقة المفرطة في الجيش«.
ومن المؤكد أيضاً، أنه ستظهر في إسرائيل قوى اجتماعية أوسع نطاقاً، وأعمق وجوداً – في مرحلة ما بعد نتنياهو – تأخذ موضوع السلام على محمل الجد، خاصة إن وصل إلى أسماعهم أن إيران.. قد استعادت – مع بقاء النظام الحاكم الحالي فيها – قدراتها الصاروخية، أو طورتها إلى ما هو أبعد، وأكثر قدرة.. على النيل من إسرائيل.
نقلاً عن «المصري اليوم«