عبدالقادر شهيب
سارعت إسرائيل برفض الخطة المصرية لتعمير غزة التي أصبحت – باعتماد القمة العربية لها – خطة عربية.. وهذا أمر كان متوقعاً مسبقاً، لأن حكومة نتنياهو رحبت بمشروع ترامب.. الذي يقضي بتهجير أهل غزة إلى كل من مصر والأردن، وربما دول أخرى بالمنطقة. ولذلك كان متوقعاً رفض إسرائيل أي خطة أخرى، خاصة إذا كانت هذه الخطة لا تقتصر فقط على إعادة إعمار ما دمرته قوات الاحتلال بوحشية بالغة.. في قطاع غزة، وإنما تمكن السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع والسيطرة عليه.. بعد جلاء قوات الاحتلال عن أراضيه. والأهم تُفضي، في نهاية المطاف، إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي الضفة وغزة، وعاصمتها القدس الشرقية.. وهو ما ترفضه اسرائيل الآن، بل ترى أن الفرصة باتت سانحة الآن لإجهاض إقامة هذه الدولة الفلسطينية، والاستيلاء على الأراضي.. المفترض أن تقوم عليها بعد طرد الفلسطينيين خارجها!
ومع ذلك، فإن القادة العرب اتفقوا – في قمتهم الطارئة التي استضافتها مصر – على الترويج عالمياً للخطة العربية لتعمير غزة.. من خلال إجراء اتصالات مع الأوربيين واليابانيين والأمريكيين، وكل القوى العالمية المؤثرة.. مثل الصين وروسيا. كما قرروا السعي لجمع التمويل اللازم لتنفيذ تلك الخطة.. البالغ نحو 53 مليار دولار؛ منها ثلاثة مليارات دولار لتمويل المرحلة الأولى.. التي تستغرق ستة أشهر، وتسمى خطة التعافي المبكر. ثم 20 مليار دولار لتمويل المرحلة الثانية للخطة.. التي تستغرق عامين ، و30 مليار دولار لتمويل المرحلة الثالثة.. التي تستغرق عامين ونصف عام. وسوف تستضيف القاهرة مؤتمراً لجمع هذا التمويل الشهر القادم.
ولكن – بعد مسارعة إسرائيل برفض الخطة – يُطرح سؤال عن الموقف الذي سوف تتخذه واشنطن تجاه هذه الخطة.. التي أعدَّتها مصر بديلاً لمشروع ترامب، الذي يقضي بتهجير أهل غزة.. لكي يتسنى تعميرها.
وطبقاً لنظرية الاحتمالات؛ ثمة ثلاثة احتمالات بخصوص موقف أمريكا تجاه خطة تعمير غزة. الاحتمال الأول: هو قبولها – سواء فوراً أو بعد إجراء مشاورات عربية مع إدارتها – وربما لذلك القمة رفضت مشروع التهجير، لكنها لم ترفض صاحب المشروع وهو ترامب، بل إنها دعت للعمل معه.. لتحقيق السلام في المنطقة، وعوَّل بعض المتحدثين أمام القمة على دوره في هذا الصدد. والاحتمال الثاني: هو أن تطلب واشنطن إجراء بعض التعديلات عليها؛ خاصة ما يتعلق بمن بدير قطاع غزة خلال فترة الإعمار التي حددتها الخطة بخمس سنوات، في ظل رفض إسرائيل أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، فضلاً عن أن إدارة ترامب لا تقبل بحل الدولتين، بل هي راغبة في زيادة مساحة إسرائيل.. بالتهام مزيد من الأراضي المفروض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية. أما الاحتمال الثالث: فهو رفض واشنطن هذه الخطة العربية لتعمير غزة.. رداً على رفض العرب لخطة ترامب، وهو الأمر الذي أبدى اندهاشه منه، واضطر إلى أن يقول أن مشروعه مجرد اقتراح.. لن يفرضه علينا!
وهكذا يتعين أن نكون مستعدين – بما سيتعين علينا أن نفعله – إزاء كل من هذه الاحتمالات الثلاثة. وبالطبع، فإن أسهل الاحتمالات هو الاحتمال الأول – أي قبول واشنطن بالخطة العربية ولو بعد حين – فلن يكون مطلوباً منا شيء.. سوى اليقظة لما ستقوم به حكومة نتنياهو، لتغيير موقف واشنطن. فها هي – بعد أن وقَّعت اتفاق غزة بمراحله الثلاث، بعد تدخل ترامب – تحاول التنصل من تنفيذ بقية مراحله.. بعد إنجاز المرحلة الأولى؛ حتى تتهرب من الانسحاب من القطاع، وتنفيذ وقف دائم لإطلاق النار.
أما إذا طالبت واشنطن بإخضاع الخطة للتفاوض، وتعديل بعض البنود فيها – خاصة المتعلقة باليوم التالي في غزة – فيتعين علينا أن نكون جاهزين بالرد عليها، وحشد كل الجهود.. لإقناعها بضرورة تنفيذ الخطة بكامل بنودها، والسعي – بكل الوسائل – لإقناع الإدارة الأمريكية بضرورة الضغط على إسرائيل.. لتنفيذ هذه الخطة بالكامل؛ ليس فقط لإنجاز إعمار غزة، وإنما أيضاً للعمل على تنفيذ حل الدولتين.
بينما المشكلة الكبيرة – التي ستواجهنا – فتتمثل في رفض إدارة ترامب الخطة العربية.. رداً على رفضنا لمشروع ترامب لإعمار غزة بعد تهجير أهلها، لأن معنى هذا الرفض عملياً، هو السماح لإسرائيل باستئناف الحرب مجدداً.. بصورة أكثر وحشية، وبالتالي.. بدلاً من الاهتمام بإعمار غزة، يتحول الاهتمام إلى وقف إطلاق النار.. كما حدث على مدار خمسة عشر شهراً، شنت فيها إسرائيل عدوانها البشع على أهل غزة.
ولكن إذا حدث ذلك – ورفضت واشنطن الخطة العربية لإعمار غزة – لا سبيل أمامنا إلا استثمار كل أوراق القوة والتأثير.. التي في حوزتنا، لإقناع أمريكا أن لا سلام بالمنطقة، ولا حفاظ على المصالح الأمريكية فيها، إلا إذا حصل الفلسطينيون على استقلالهم وأقاموا دولتهم المستقلة.
نقلاً عن «أخبار اليوم»