بعد أيام من تحذيرات ليبية من آثار الأزمة السورية وانعكاساتها المتوقعة على ليبيا، قال مسؤول أمني سوري متمركز خارج القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية إن طائرة شحن روسية غادرت القاعدة متجهة إلى ليبيا اليوم السبت.
وأضاف المسؤول المتمركز عند بوابة القاعدة لرويترز أن من المتوقع إقلاع المزيد من الطائرات الروسية من قاعدة حميميم الجوية في الأيام المقبلة.
وكان مركز الدراسات الأمنية والعسكرية في ليبيا قال إن بلاده مهيأة محلياً وإقليمياً ودولياً لاندلاع حرب جديدة بين القطبين الشرقي والغربي، في ظل تنامي النفوذ الروسي في أفريقيا انطلاقاً من الشرق والجنوب الليبي الذي يقع تحت سيطرة قائد قوات الجيش الليبي في المنطقة الشرقية المشير خليفة حفتر.
وأوضح المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، أن الساحة الليبية تشهد العديد من التطورات المتسارعة، سواء على صعيد الديناميكيات المحلية من صراعات مؤسساتية وسياسية وحكومية، أو تعاظم النفوذ الروسي العسكري في جنوب وشرق البلاد، بما قاد لزيادة حدة الصراع الدولي وجذب اهتمام الولايات المتحدة ومن خلفه الأوربيين بالملف الليبي.
وفي حين هدأ الصراع الإقليمي حول ليبيا، مع تحسن العلاقات بين الفاعلين الإقليميين، وبناء هذه الأطراف علاقات جيدة مع طرفي الصراع في ليبيا. وفي ضوء الصراع الدولي “الأمريكي الروسي” حول ليبيا، كانت هناك عدة تطورات عبرت عن مدى ارتفاع وتيرة هذا الصراع، وذلك بالتزامن مع متغيرين خطيرين هما: أولاً خسارة روسيا حليفها الاستراتيجي في سوريا بسقوط بشار الأسد، وما يمكن أن ترتبه هذه الخطوة من تداعيات على الملف الليبي.
وثانياً الفترة الانتقالية التي تعيشها الولايات المتحدة حالياً مرحلة “البطة العرجاء”، حيث سيسلم بايدن السلطة لترامب في 20 يناير 2025، وما يمكن أن يتبناه كل منهما من سياسات تجاه ليبيا.
تداعيات وسيناريوهات محتملة
يتعمق النفوذ العسكري الروسي في ليبيا يوماً بعد الآخر، في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لاحتواء هذا النفوذ. وبالتأكيد فإن التواجد التركي أحد أدوات هذا الاحتواء، أو على الأقل عامل توازن جيواستراتيجي مهم بالنسبة للناتو في مواجهة روسيا.
وبحسب المركز الليبي، فإن خسارة روسيا لحليفها السوري بشار الأسد، وما قد يترتب عليه من احتمالية مرجحة وطبيعية لخسارة نفوذها العسكري في سوريا، وبالتالي فقدانها لتواجدها الجيوسياسي الحيوي في المياه الدافئة عبر سواحل طرطوس، من المرجح أن ينعكس على الملف الليبي من عدة سيناريوهات:
السيناريو الاول، من المرجح أن تستميت روسيا في الدفاع عن نفوذها العسكري في شرق ليبيا وعن تحالفها مع خليفة حفتر، لأنه لم يعد أمام روسيا غير ليبيا، لتضمن منفذاً على المياه الدافئة في شرق المتوسط، وهو الهدف الجيوسياسي الذي طالما سعت إليه موسكو. ومن هنا يمكن إدراك طبيعة تحركات الطائرات الروسية ما بين اللاذقية وبنغازي وكذلك القوات التابعة لبشار والتي فرت إلى ليبيا، فعلى الأرجح قد يكون هناك عملية نقل معدات وأسلحة وجنود من قواعدها في سوريا إلى ليبيا.
وإذا شعرت روسيا بتهديد أيضا لنفوذها في شرق ليبيا، قد يصل بها الأمر لدعم ودفع حفتر، مستغلة طبيعة الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة حالياً، لإطلاق عملية عسكرية جديدة للسيطرة على العاصمة وهزيمة حلفاء تركيا في ليبيا، كما فعلت أنقرة مع حلفاء موسكو في سوريا، وهو ما يمكنها من تعويض خسارتها وتأمين نفوذها في ليبيا. لكن العائق الرئيسي هو انشغال روسيا بحرب أوكرانيا واحتمالية عدم استعدادها لفتح جبهة جديدة، وبالتالي قد يكون لهذه الخطوة نتيجة عكسية تماماً، تقود لخسارة روسيا المعركة ومعها نفوذها في ليبيا.
السيناريو الثاني:
بحسب المركز الليبي، فإن هناك العديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي لن تسمح لتركيا كحد أدنى أن تنتصر أيضا في ليبيا وتحسم مسألة النفوذ فيها بشكل كامل بما في ذلك شرق البلاد، وكحد أقصى قد تأخذ هذه الأطراف خطوة استباقية وتدفع حفتر لإطلاق عملية عسكرية بها قدر من المخاطرة، للسيطرة على العاصمة طرابلس وإنهاء النفوذ التركي فيها، بعد تعزيز الأخيرة نفوذها في سوريا.
السيناريو الثالث:
مع خسارة روسيا لنفوذها في سوريا، قد تجد الولايات المتحدة في ذلك فرصة لمزيد من الضغط على روسيا في منطقة الشرق الأوسط عبر البوابة الليبية، لإضعاف نفوذها في ليبيا وتشتيت جهودها ما بين ليبيا وأوكرانيا، بالأخص خلال الفترة المتبقية لجو بايدن في البيت الأبيض، خاصة وأن الأخير يسعى لزيادة التوتر الجيوسياسي مع روسيا في العديد من الملفات، لقطع الطريق أمام دونالد ترامب في مساعيه المتعلقة بتخفيف التوتر مع روسيا، بشكل يقود لإنهاء الحرب الأوكرانية بصيغة قد لا تصب في صالح الغرب من الناحية الجيواسراتيجية.
سيناروهان أمريكيان:
الأول:
محاولة ثني حفتر عن تحالفه المتنامي مع الروس، لذلك تتزايد الزيارات الأمريكية لشرق ليبيا ولقاء حفتر وأبناءه
النهج الثاني:
احتمالية إشغال روسيا في ليبيا عبر إشعال حرب داخلية من جديد بين شرق وغرب البلاد. أي أن الولايات المتحدة وفقاً لهذا التحليل، هي التي قد تدفع نحو خيار الحرب وليس روسيا.
السيناريو الرابع:
بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، هناك احتمالية لعقده صفقة، كعادته في التعامل مع ملفات السياسة الخارجية، قد يكون مضمونها هو الربط والمقايضة بين وقف الحرب الأوكرانية مقابل الاعتراف بالنفوذ الروسي في ليبيا، بل وقد يعطي ترامب الضوء الأخضر لحفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس بدعم روسي.
وقد يلجأ بايدن في الفترة المتبقية له لنفس الحل، وإن كان ليس مرجحاً بشكل كبير، وهو دفع حفتر لإطلاق معركة جديدة مع المنطقة الغربية للسيطرة على العاصمة، لكن بهدف آخر وهو أن يكون ذلك في مقابل تخليه عن تحالفه مع الروس.
مع الأخذ في الاعتبار وجهة النظر الأخرى التي تقول بأن الولايات المتحدة لا تمانع تواجد روسيا في ليبيا، لاستخدامها كفزاعة وأداة ترهيب لحلفائها الأوروبيين وجعلهم باستمرار في حاجة لظهير أمريكي، حيث تواجد روسيا في ليبيا، يجعل الأمن القومي الأوروبي منكشفاً من الجنوب، في ملفات: الهجرة الغير شرعية، الطاقة و الانتشار العسكري.
وبحسب المركز الليبي، فإن الساحة الليبية قد تكون الآن مهيأة محلياً وإقليمياً ودولياً أكثر من أي وقت مضى لاندلاع حرب جديدة بين شرق وغرب البلاد عن طريق عدة محفزات مختلفة؛ فالصراع والتوتر بين المؤسسات الرسمية على أشده، بالأخص ما بين حكومتي الشرق والغرب من ناحية، والمجلس الرئاسي والنواب من ناحية ثانية، وداخل المجلس الأعلى للدولة من ناحية ثالثة.
كما أن خسارة روسيا نفوذها في سوريا سيجعلها أكثر تمسكاً بنفوذها في ليبيا، بل وقد تسعى لتعزيز وتوسيع هذا النفوذ نحو العاصمة، لتعويض خسارتها في سوريا وتأمين موطأ قدمها الوحيد في المياه الدافئة. وتزامن ذلك مع نهاية فترة بايدن وبداية حكم ترامب، واحتمالية تصعيدهما للتوتر في ليبيا، ولكل منهما حساباته المختلفة من هذا التصعيد.
فهل يعني ذلك أن الحرب حتمية؟
تلك التطورات لا تعني أن الحرب حتمية، فهناك احتمالية لتجنبها، خاصةً وأن هناك عدة عوامل خارجية قد تعوق اندلاعها؛ كرغبة الأوروبيين في استقرار ليبيا، والتهدئة الحاصلة بين الفاعلين الإقليميين في الشرق الأوسط، بالأخص مصر وتركيا، وانشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، واصطدام الولايات المتحدة بمصالح حليفتها تركيا في المنطقة الغربية، فضلاً عن الديناميكيات المحلية الأخرى التي قد تساهم في التهدئة، وهي وجود توازن قوى محكم بين قوات الشرق والغرب الليبيين تجعل حسم الحرب من قبل أحد الطرفين أمراً ليس بالسهل، بحسب المركز الليبي.
ومن أجل تجنب الحرب، على الفرقاء الليبيين إدراك طبيعة التغيرات الجيوسياسية في المنطقة والعالم ودوافع القوى الإقليمية والدولية الحقيقية، وعدم الانخداع والانجرار خلف أي محفزات دولية أو إقليمية نحو الحرب، لأنه مهما كانت التطمينات فمن الصعب لأي طرف حسمها بشكل نهائي في ظل موازين قوى متماسكة بين الطرفين، سواء على مستوى تراكم القوة أو دعم الحلفاء، فإذا كانت روسيا داعمة لحفتر فهناك تركيا في الجانب المقابل. وفي ظل هذه الوضعية، لن يكون هناك رابح من المعركة، وبدلا من صيغة “Win-Win”ستكون النتيجة “Lose-Lose”، أي الخاسر الأكبر الدولة الليبية وكل فرقائها.