Times of Egypt

بدر عبدالعاطي.. جهد ثمين 

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال 

يتعاظم الالتفات السياسي والدبلوماسي المصري نحو أمن البحر الأحمر، الذي لن أملّ من تكرار حقيقة جغرافية سياسية وتاريخية واستراتيجية مصرية، هي أن أمن مصر القومي – كما حدده أسلافنا العظام في تاريخنا القديم – يمتد من قرن الأرض «القرن الأفريقي» جنوباً إلى منابع المياه المعكوسة شمالاً «منابع دجلة والفرات»، التي تجري من الشمال للجنوب عكس النيل. 

وترتبط بذلك حقيقة أن معظم المخاطر التي دهمتنا.. جاءت من الشرق والشمال الشرقي والجنوب، وأن امتدادنا الحضاري والثقافي.. المعبر عن دورنا كمصر، في محيطنا المباشر.. هو في حوض البحر الأحمر؛ مثلما هو في حوض المتوسط. 

وربما إذا محصنا الأمر.. ودققناه، فإن تفاعل مصر الحضاري القديم والوسيط.. هو مع حضارات الشمال الشرقي والشرق والجنوب – أي مع حضارات العراق وسوريا وشبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا – ومن ثم، لابد – في هذا الصدد – من تثمين الجهد الذي يبذله الوزير الدكتور بدر عبدالعاطي، لنقل الرؤية السياسية المصرية إلى خطوات عمل واقعية.. مستمرة ومتصاعدة.. مع السودان والصومال وإريتريا وجيبوتي، وقدرة الوزير عبدالعاطي.. على توظيف المهارات الدبلوماسية والسياسية – التي اكتسبها في عمله سفيراً بدول أوروبية مهمة ولدى الاتحاد الأوروبي – في حركته تجاه أفريقيا عموماً، وللدول الأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن. 

وقد تابعت – مثل غيري – المؤتمرات الصحفية التي عقدها وزير الخارجية.. مع نظرائه الأفارقة، ليبدو الأمر نقلة كيفية في التوجه والعمل الدبلوماسي المصري، الذي هو التنفيذ الواقعي للتوجه السياسي.. وبديهي أن هذا الجهد الكبير – وفي هذه المرحلة، التي يبدو فيها وكأن الأقواس تضيق على مصر – يتممه جهد آخر.. تبذله النخب المصرية في مجالات الاقتصاد والإعلام بكل أنواعه، وأيضاً في التعليم الجامعي وما بعد الجامعي؛ حيث مساحة الاهتمام بأفريقيا، والعلاقات المصرية بها.. محدودة، ولا بد من مطبوعة صحفية متخصصة في الدراسات الأفريقية، على غرار مجلة «السياسة الدولية»، ولا بد كذلك من برامج تهتم بكل الشأن الأفريقي؛ خاصة الجوانب الثقافية والفنية والفلكلورية. وبوجه عام، علينا أن نسعى لتكوين، وتعميق.. وعي مصري بالقارة التي ننتمي إليها، وبحوض البحر الأحمر.. الذي اهتم به أجدادنا القدامى، على النحو الذي طالما كتبنا فيه. 

وسأحاول – في هذا المقال – أن ألقي بعض الضوء على جيبوتي.. الدولة العضو في جامعة الدول العربية، التي أيضاً.. ورغم مساحتها المحدودة – إذ لا تتجاوز 23200 كيلومتر مربع – تتحكم في منطقة الاتصال بين باب المندب وخليج عدن. 

وقد بقيت مناطق شرق أفريقيا – على ساحل البحر الأحمر – شبه معزولة لقرون، إلى أن بدأ التوسع الأوروبي الاستعماري يتجه نحوها، خاصة بعد افتتاح قناة السويس سنة 1869. ولأن بريطانيا – في تلك المرحلة – كانت القوة البحرية الكبيرة، والإمبراطورية الاستعمارية الأولى، فإنها بدأت بتدعيم المواقع التي تتحكم بالبحر الأحمر وطريق الهند، وأسرعت لشراء جزيرة بالقرب من جيبوتي. وبعد احتلالها مصر بعامين- أي 1884- احتلت ميناءي زيلع وبربرة، وأتبعتهما بمحمية الصومال. 

ودخلت فرنسا على الخط في العام الذي احتلت فيه بريطانيا عدن؛ إذ أرسلت فرنسا إحدى بوارجها.. بهدف السعي لشراء قطعة أرض على ساحل أفريقيا الشرقي، لتتمكن عام 1862 من إقناع بعض زعماء القبائل في جيبوتي.. ببيع ميناء «أوبوك» على الساحل الشمالي لخليج تاجورة الجيبوتي. وبعد ذلك بفترة توسع الفرنسيون بالاستيلاء على تاجورة، وبقية الأراضي.. التي تشكل جمهورية جيبوتي الآن. 

وهنا أنوه.. لأنني أستقي هذه المعلومات السريعة من موقع ويكيبيديا على الإنترنت.. وفيه سرد عن تاريخ جيبوتي الحديث والمعاصر، منذ سُميت تلك الدول بالصومال الفرنسي عام 1896، وبقي هذا الاسم متداولاً حتى 3 يوليو 1967، ثم أُجري الاستفتاء على الاستقلال في مايو 1977 ليتم تأسيس جمهورية جيبوتي في 27 يونيو 1977. وفي عقود ما قبل التأسيس، كان الحراك السياسي لشعب جيبوتي كبيراً، لن تتسع المساحة للتفصيل فيه.  

ولأن الأهمية الجغرافية السياسية لدولة جيبوتي كبيرة – كما أسلفت – فإن هذه المرحلة المعاصرة شهدت تنافساً واسعاً بين القوى الدولية، لتقام هنالك عدة قواعد عسكرية لعدة دول، وكان من غير المقبول.. ولا المعقول، أن تكون مصر بعيدة عن مجريات تلك الأمور، وكما يقول المثل: «أن تأتي متأخراً.. خيرٌ من ألا تأتي أبداً». 

وقد تلاقينا مع أشقائنا في جيبوتي.. على قاعدة الأخوة المشتركة في الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، وعلى قاعدة المصالح المتبادلة، والحرص على أن يكون أمن البحر الأحمر بيد أبناء الدول المطلة عليه، وليس لآخرين.. قادمين من وراء الجبال أو البحار. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة