عبدالله عبدالسلام
حوادث إطلاق النار، وقتل الأطفال في المدارس الأمريكية.. لا تتوقف.
قبل يومين، وفي الأسبوع الأول من الدراسة بمدرسة في ولاية مينيسوتا، لقي طفلان مصرعهما، وأصيب 17 بينهم 14 طفلاً. حرية امتلاك السلاح في أمريكا.. تجعل هذه الحوادث معتادة ومتكررة. الآباء والأمهات وقطاعات مهمة في المجتمع، يضغطون على السياسيين لفرض قيود على حيازة السلاح، إلا أن «لوبي الأسلحة» واسع النفوذ، نجح في وأد هذه المحاولات. ماذا يفعل أب مكلوم وأم ثكلى.. فقدا طفلهما نتيجة تهور طفل آخر، أو إصابة مراهق باكتئاب نفسي، فتوجه لأقرب مدرسة وقتل الأطفال؟
لقد وجدا ضالتهما في الذكاء الاصطناعي.
قبل 7 سنوات، أطلق مراهق النار على خواكين أوليفر – الطالب في المرحلة الثانوية – فأرداه قتيلاً. لكن قبل أسابيع، أجرى جيم أكوستا – المذيع الشهير السابق في «سي إن إن» – مقابلة على الهواء مع الطفل الميت، الذي قال إنه لا يجب التوقف عن الحديث.. عما جرى في ذلك اليوم، حتى نتمكن من إقامة مجتمع أكثر أماناً. الصوت لم يكن سوى صوت شبح رقمي، استطاع الذكاء الاصطناعي تخليقه.. اعتماداً على كتابات الطالب المتوفى على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بناءً على طلب والديه، لكي يستخدمانه في حملتهما.. من أجل تشديد ضوابط حمل السلاح.
لكنهما أرادا أيضاً.. سماع صوت طفلهما. الأم تقضي الساعات الطوال في الحديث مع طفلها.. من خلال الذكاء الاصطناعي. يقول لها: «أحبك يا أمي».
لا يمكننا هنا، أن نصدر أحكاماً أخلاقية أو دينية على أم ملتاعة وموجوعة، فقدت فلذة كبدها. الآباء والأمهات المحزونون.. يحتفظون بما يذكرهم بمن فقدوهم؛ ملابسهم وصورهم، وتسجيلات أصواتهم، والأدوات التي كانوا يستخدمونها. يزورون قبورهم، ويبكون ويتحدثون إليهم.. كما لو كانوا أحياء.
لكن ما يحدث مع الذكاء الاصطناعي الآن؟ أمر آخر تماماً. إنه استدعاء للشخص نفسه، والحديث إليه.. باعتباره موجوداً.
إلى أين ستصل بنا التكنولوجيا؟ وماذا لو أمكن للذكاء الاصطناعي.. إنشاء نسخة دائمة لشخص مات، ربما على شكل روبوت، ليتم الحديث معه للأبد؟
بالتأكيد، هناك جانب ديني في القضية، يجب دراسته والاستعداد له. لكن هناك أيضاً جانب قانوني. من حق الشخص العادي – قانوناً – ألا يسطو آخر على هويته، ويستخدمها في التزوير والتزييف.. باسمه.
ألا يمكن أن يحدث ذلك للموتى.. أي سرقة هوياتهم وارتكاب جرائم بأسمائهم؟ أين إذن حقوق الموتى؟
ثم إن لهؤلاء الموتى كراماتهم.. التي يجب احترامها. الكارثة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يعبث بالجثث، وبما يخصها من صور وكتابات.. سؤال آخر، يتم طرحه في الغرب: ماذا لو وافق نصف أعضاء الأسرة على إحياء الأب أو الأم (المتوفيين) رقمياً، ورفض النصف الآخر؟
والد الطالب خواكيم يقول.. إنه يدرك أن الصورة الرمزية التي يتحدث معها حالياً، ليست ابنه. لكنه يحاول استحضار شيء من رائحته.
لكن هل هذه هي الطريقة؟
لسنا بعيدين كثيراً عن تلك المسائل الشائكة دينياً وأخلاقياً وقانونياً. سوف تأتينا سريعاً. الذكاء الاصطناعي يخترق الحواجز.. بصورة لا مثيل لها.
مطلوب نقاش علمي وفقهي، حتى لا تتم مفاجأتنا.. كالعادة.
نقلاً عن «المصري اليوم»