أمينة خيري
لا يخفى على أحد.. أن الوضع في المنطقة بالغ السوء، وفي منتهى الخطورة، وإن أخطر ما فيه الضبابية شبه التامة.. لما يحمله الغد القريب للمنطقة وأهلها. وما جرى في قطر قبل أيام، ليس إلا علامة من علامات السوء، وأمارة من أمارات الخطورة، وتأكيد لا ريب فيه.. أن لا أحد في مأمن، حتى أقرب الأقربين.
والحقيقة، أن الخطورة لا تكمن فقط.. فيما يحدث منذ الدقائق الأولى لعملية السابع من أكتوبر، التي يقول البعض إن الغرض منها «إيقاظ القضية». فالخطورة تكمن – بالطبع – في تركيبة القوى في المنطقة، ووجود احتلال، وغياب الموقف العربي «الفعلي» الموحد. وفي رأيي المتواضع.. أن جانباً معتبراً من الخطورة، يكمن أيضاً في طريقة تعاملنا مع ما يجري.
اعتبار الصياح والصراخ، والتهديد اللفظي والوعيد المنطوق والمكتوب.. أدوات ردع، أمر بالغ الخطورة. إطلاق العنان لمئات الأصوات المرددة لعبارات يحفظها الشارع؛ مثل «كذا خط أحمر»، و«كذا خيالات وضلالات تسيطر على الاحتلال»، و«كذا مرفوض»، و«كذا ممجوج»، و«خلي كذا يقرب وسيرى ما لم تره عين».. إلى آخر قائمة أدوات الرفض، يجب أن يتوقف؛ لا سيما أن آثارها لا تقل خطورة.. عن سطحيتها.
طمأنة الشعوب بأن قياداتها وجيوشها جاهزة.. أمر مهم، لكن إغراقها في هذا الكم من أحاديث موجهة منا إلينا، ومردودة علينا منا إلينا، والتفاعل عليها يجري بيننا وإلينا، والاتفاق والاعتراض على ما يرد فيها أيضاً بيننا وإلينا.. هو تغييب للقاعدة العريضة. هذه القاعدة العريضة لا تنصت كلها.. لما يقوله كُتَّاب الرأي ومحللو الفضائيات. نسبة معتبرة تنهل مما تنضح به منصات السوشيال ميديا. وما تنضح به منصات السوشيال ميديا.. يدغدغ مشاعر الجميع.
… لدى المستخدم انتماءات إسلامية سياسية؟ سيجد كماً مذهلاً من تحليل الأوضاع الراهنة من هذا المنطلق. لديه توجهات قومية عروبية؟ له ما أراد، والمنصات ممتلئة بالقوميين. تتمكن منه عقلية شعبوية أو يمينية؟ سيجد ما يتطابق وتوجهاته.. دون أن يتكبد عناء قراءة صحيفة، أو تصفح موقع، أو استماع إلى محلل وخبير على الشاشات.
ما نحتاجه عن حق – حتى لا نساهم في تغييب العقول، وتجهيل القلوب، وإغراق المركب ومَن عليها في ترهات «ما تقدرش»، التي يتم استخدامها في خناقات الشارع ليست غير مجدية فقط، بل خطيرة وآثارها مدمرة، حتى لو أعطت شعوراً مؤقتاً بالراحة والقوة – هو معلومة مصحوبة بخلفية تاريخية، ومُذيَّلة بتصورات علمية منهجية.. لما يمكن أن تؤدي إليه الأحداث. هذه التوليفة لن يقدمها هواة.. لديهم موهبة السرد المثير، أو مدعو خبرة.. في ملفات تقتصر معارفهم فيها على بضعة مقالات قرأوها من مصدر واحد.
مهم جداً.. بث الثقة والطمأنينة، وعلى القدر نفسه من الأهمية.. نشر المعلومات منزوعة الحنجورية، ومعرفة ما يجول ويتم التجهيز له في إسرائيل وأمريكا والغرب والشرق.. في شأن المنطقة. المعرفة لا تعرض الشعوب للخطر. تجاهلها، واستبدالها بالصوت العالي المتخم بالتهديد الشعبوي والوعيد الحنجوري.. مميت.
نقلاً عن «المصري اليوم»