Times of Egypt

الوساطات مرفوعة من الخدمة! 

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

ما إن شنَّت إسرائيل عدوانها على إيران.. فجر الجمعة الماضي، حتى بادر زعماء كثيرون إلى عرض القيام بوساطة لوقف الحرب. بوتين أجرى مكالمة مع نتنياهو، أكد استعداده للوساطة تفادياً للتصعيد. أردوغان قال كلاماً مماثلاً. 

هذا موسم إبراز أهمية الزعماء، وقدراتهم على تجنيب العالم ويلات الحروب. لا يحدث شيء. 

إسرائيل تصُم أذنها عن تلك الوساطات.. لاعتقادها أنها يمكن أن تخرج فائزة باكتساح وبسرعة. إلا أن الزعماء يعتقدون أن الأمر يستحق المحاولة.. مرات ومرات، لكي تتردد أسماؤهم في الإعلام الدولي، ويكون لذلك صدى لدى الرأي العام المحلي عندهم.

ودائماً ما يكون عرض الوساطات.. مصحوباً بالحديث عن الدور القيادي الذي يلعبه الزعيم على الساحة الدولية، وأهمية الدولة التي يقودها بالطبع. 

الصحفي البريطاني جون كريس.. سخر من رئيس وزرائه كير ستارمر، وإعلانه أنه تدخل داعياً إلى تخفيف حدة النزاع بين إيران وإسرائيل، والبحث عن حل دبلوماسي. بل إن وزير خارجيته ألقى كلمة أمام البرلمان.. دعا فيها إلى ضبط النفس. يقول كريس: «نعلم جميعاً أن بريطانيا ليس لها تأثير حقيقي، لكن ستارمر يشعر أن عليه قول شيء ما، ولا يمكنه أن يقول إنه غير مهتم. وإذا حدثت انفراجة.. يستطيع الادعاء أن تدخله هو الذي أحدث الفرق».

إنه أيضاً، يبعث برسائل إلى الناخبين.. بأنه زعيم عالمي يستمع العالم إليه.. لكن الحقيقة في مكان آخر تمامًا. الدولة الوحيدة التي تستطيع القيام بوساطة.. هي الولايات المتحدة، إلا أن ترامب جعلها طرفاً منحازاً، وليس وسيطاً نزيهاً. كرر مراراً كلمة «الوساطة» التي تعني شيئاً مختلفاً.. عن وظيفة الوساطة المتعارف عليها، التي يتم تعريفها بأنها طريقة لحل النزاعات بـ «مساعدة الخصوم على تسوية صراعاتهم».. بتسهيل من طرف ثالث محايد، يضطلع بمهمة التواصل، والمساعدة في إيجاد أرضية مشتركة، ويوجههم نحو حل مقبول.

في الواقع، نحن أمام نوعين من الوسطاء؛ الأول: لا يملك ما يؤهله من قدرات ونفوذ لممارسة ضغوط على الأطراف.. إذا اقتضت الحاجة، وهو يعرض وساطته بغرض الدعاية لنفسه ودولته. وهذا ينطبق على دول عديدة، بعضها كبرى ولديها عضوية دائمة في مجلس الأمن. والثاني: يمتلك كل مؤهلات النجاح؛ من قدرة على جمع الأطراف المتنازعة، وعرض مقترحات حل وسط، والمساعدة في القبول بها. وللأسف، لا يتوفر ذلك إلا لأمريكا. 

المشكلة، أن ترامب لا يعترف بهذا النوع من الوساطات. الوساطة عنده.. وسيلة لمساعدة طرف في الانتصار، وإجبار الطرف الخاسر على القبول بذلك، وإلا استخدم طرقاً ووسائل لفرض ما يريد. عندما يقول الرئيس الأمريكي إنه يريد حلاً نهائياً للنزاع؛ فلن يتحقق له ذلك، إلا باستسلام إيران الكامل للشروط الأمريكية.. والإسرائيلية طبعًا، فإن دوره هنا يمكن وصفه بأي شيء.. إلا أن يكون وسيطاً.

«وساطة ترامب» تعني – ببساطة – أنه من يحدد الفائز والخاسر.. طبقاً لعلاقته بالطرفين، ومدى استفادته من أي منهما. المسألة لا علاقة لها بالحياد ولا بالنزاهة ولا بالحق والباطل.. 

إنها المصالح.. التي أصبحت المبدأ الأول في النظام العالمي الجديد، الذي يريده ترامب. الوساطات مرفوعة حالياً من الخدمة.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة