أمينة خيري
ما رأيك، عزيزي القارئ، في منظومة «الواسطة».. أو الوساطة.. أو «الكوسة» أو غيرها من مسميات طلب «التوصية» لدى تلقِّي خدمة؟
سواء كان من يوصي عليك أمين شرطة أو ضابطاً، موظفاً كبيراً أو موظفاً صغيراً، «عمو» قريب بابا أو أحد معارف قريب أحد الأصدقاء، هل تطلب «واسطة» قبل أن تتوجه إلى المصلحة أو الهيئة أو الإدارة التي تأمل أن تنجز فيها معاملة؟ أم تتوجه إلى المكان و«أنت وبختك»؟
لماذا نلجأ إلى «الواسطة» أو «التوصية»؟
وفي حال أخبرك الأهل والأقارب، بأن المكان الذي ستتوجه إليه لإنجاز معاملة.. تم تطويره وتحديثه، وأصبح الجانب الأكبر من المعاملات مرقمناً، وهو ما يقلص هوامش «رذالة» الموظف، ويحاصر سياسة «الدرج المفتوح». هل ستصر على «الواسطة» تحسباً لأي سخافات، أم تمضي قُدماً وتذهب كغيرك من الملايين، وأنت لا تملك سوى العقد الاجتماعي.. الذي يُفترض أن يضمن لك الحصول على الخدمات المستحقة.. في مقابل أن تكون مواطناً صالحاً؟
… منظومة الوساطة في عرفنا تستحق الدراسة.
أعرف الكثير من الأهل والأصدقاء والزملاء.. الذين يعرفون جيداً أن مؤسسات وإدارات عدة تطورت، وأصبحت الخدمات المقدمة فيها لا تحتاج إلى «كارت توصية من حسام بك»، أو «مكالمة تليفون من عمو سليمان» بالضرورة، ورغم ذلك يصرون على الكارت أو المكالمة. وأعتقد أن جزءاً من الإصرار.. مرده الرغبة في الشعور بالأهمية.
نحن بشر، والمؤكد أن دخولك هيئة أو إدارة مزدحمة، واستقبالك بطريقة تشي بأنك «شخص مهم»، ويتم إدخالك فوراً مكتب «محمد بك» أو «مدام منال»، مع فنجان قهوة أمام الجموع الغفيرة، أمر يجعلنا نشعر بالسعادة والفخر، حتى لو أنهينا المعاملة، وخرجنا من الباب لنركض وراء الأتوبيس، ونزاحم الجموع الغفيرة نفسها التي تعالينا عليها قبل دقائق.
تاريخياً، تجذَّرت الوساطة والكوسة والتوصية لدينا.. لأسباب وعوامل عدة، بينها سوء التعامل الذي يتلقاه المواطن «السادة» أي بدون واسطة، والتزاحم أمام شباك طلب الخدمة، وسعة صدر بعض الموظفين.. فيما يختص بتلقِّي «إكرامية»، ومنظومة السبع دوخات.. المقررة في بعض الأماكن، حيث تبدأ من مكتب «أ» الذي يوجهك لزميله في مكتب «ب»، ثم «ج» وهلم جراً وصولاً إلى «ي»، ومن ثم تجد نفسك أمام مكتب «أ» مجدداً.
… وعشوائية تناول الإفطار والشاي والصلاة، مع إضافة السنن النوافل والرواتب وما تيسَّر، وفوضى «أستاذ فلان ماجاش النهارده، فوت علينا بكرة»، بالإضافة إلى الشعور بالحنق والظلم.. لأن غيرك وصل بعدك وأنهى معاملاته، بينما أنت في حلقة الطواف الأولى حول المكاتب، وغيرها من أسباب تحولت عبر العقود إلى أسلوب حياة.
كنت متحدثاً رسمياً باسم وزارة التربية والتعليم لفترة وجيزة قبل سنوات.
هذه الفترة أكدت لي.. أن «الواسطة» أسلوب حياة، وأن البعض ممن يصدعون رؤوسنا بالحديث عن العدل والمساواة واحترام القانون، يتكالبون للحصول على «توصية».. يعلمون علم اليقين أنها ظلم للآخرين، وتمييز لهم دون وجه حق، وضرب عرض الحائط بالقانون.
… وللواسطة بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم«