Times of Egypt

النقاش حول عبدالناصر

M.Adam
عمرو الشوبكي 

عمرو الشوبكي

جانب من أزمة النقاش العام في مصر.. يرجع إلى غيابه، وحين تكون هناك قضية جادة للنقاش، يسن المختلفون أسلحتهم.. لأنهم تعوَّدوا الاستماع لصريخ واتهامات؛ حول القضايا التافهة من خناقات الممثلين، ومن سيدخل الجنة، وانشغلوا بالخرافة وكراهية العلم. 

وحين نجد قضية جادة مثل قانون الإيجار القديم، يحاصر فيها النقاش، ويخرج القانون في لمح البصر، ويوافق عليه من أيَّده ومن عارضه. 

ورغم أن قضايا الزعماء التاريخيين – الذين رحلوا عن دنيانا منذ عقود – يُفترض أنها تكون أكثر هدوءاً ورصانة، وتستند على حقائق تاريخية وانحياز سياسي هادئ؛ لأن بعضها يخص زعماء توفوا منذ قرن وبعضهم مثل جمال عبد الناصر توفي منذ 55 عاماً.

والحقيقة أن ما حدث هو العكس؛ فالنقاش الذي اندلع عقب تصريح عمرو موسى أن عبد الناصر.. كان «ديكتاتوراً»، كرر نفس المأساة في أي قضية أخرى، وترك الموضوع الأصلي.. وهو موقف عبد الناصر من الديمقراطية، وتحويله إلى حملات تجريح وإساءة شخصية لموسى. واعتبرها البعض فرصة، لأنه خارج السلطة. في حين أن كثيرين ممن لديهم «سلطة ما»، شتموا عبد الناصر، ولم يقترب منهم هؤلاء.

أحد أسوأ مظاهر النقاش العام في مصر.. أن البعض مستعد أن يسب ويهين كل من ترك السلطة، ويكون ناعماً لأقصى حد.. مع من لا يزال في السلطة، أو له علاقة بها. وأذكر أن هذا النوع من الإساءات.. حدث مع شخصيات كثيرة، ومنهم الراحل الكبير الأستاذ هيكل، الذي كان البعض يسيء له، لأنه يعرف أنه ليس رئيس تحرير الأهرام، وغير مرضي عنه من رئيسين سابقين؛ فصالوا وجالوا في الاتهامات، ولم يناقشوا ما كان يكتب وما كان يقول.

ومن هنا فإن جوهر كلام السياسي المرموق عمرو موسى.. محل نقاش أو خلاف، وأعتقد أن القول بأن عبد الناصر كان ديكتاتوراً ونقطة.. فيه اختزال مخل بتجربته، ويفكرنا بنقاشات «التريند» الشكلية.

صحيح أن غياب الديمقراطية في عهد عبد الناصر، ونظام الحزب الواحد (مثل كل تجارب التحرر الوطني في العالم الثالث كله.. باستثناء الهند) كان من السلبيات، وإن هزيمة 67.. التي وصف موسى تأثيرها عليه، وعلى جيله.. بشكل دقيق، وانشغال الجيش وقتها بأمور ليس لها علاقة بعمله العسكري، أدت إلى تلك الهزيمة. 

ومع ذلك، كانت هناك أيضاً إيجابيات كثيرة، يعرف أمين عام جامعة الدول العربية والسياسي المخضرم.. أنها غيَّرت الخريطة العربية والعالمية.. من خلال قيادة مصر تجارب التحرر الوطني، التي عبَّرت عن طموح شعوب الجنوب في الاستقلال، كما أنها بنت قاعدة صناعية حقيقية ومنتجة، وازدهر خلالها الأدب والفن.. بصوره لم تعرفها مصر من قبل.

غياب الديمقراطية بشكل عام.. أراه هو التعبير الأدق، وبجواره كانت هناك إنجازات أخرى.. لا يجب إغفالها، وباب النقاش العام حول التجربة.. يظل مفتوحاً.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة