Times of Egypt

النظام العربي وتحدي البقاء

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

أحمد يوسف أحمد

تناولت المقالتان الماضيتان.. أبعاد الخطر الداهم الذي يحيط بمستقبل فلسطين والمنطقة ككل؛ سواء بسبب الخطط الإسرائيلية المعلنة، والجاري تنفيذها حالياً لإلحاق غزة والضفة بإسرائيل. أو نتيجة رؤية نتنياهو الواضحة لشرق أوسط جديد.. تهيمن عليه إسرائيل والولايات المتحدة، وكذلك «إسرائيل الكبرى».. على حساب السلامة الإقليمية لعديد من الدول العربية. ومن المهم تأكيد أن هذه المخاطر، يجري تنفيذها الآن دون أدنى مواربة أو إخفاء، كما نتابع يومياً في غزة والضفة ولبنان وسوريا، والبقية تأتي. 

فالخطر – بل والضرر – أمر واقع وليس احتمالاً، ولابد من مواجهته.. وإلا ضاعت فلسطين والنظام العربي معاً، ولن يكون الضياع مادياً بالأساس.. وإنما معنوي أيضا، فسوف يبقى الفلسطينيون وأرضهم، ولكن وفقاً لنموذج الاستتباع الذي حدث بعد 1948، وسوف تبقى الأرض والشعوب العربية، لكن أجزاء مهمة منها قد تُقتطع.. وفقاً لنموذج الجولان. وما يجري إعداده لسوريا الآن، وهو ما يمكن أن ينسحب على لبنان، وغيره من الدول العربية.. بأشكال متنوعة؛ كحركات انفصالية أو فتن طائفية وغيرها. ومن يرى في هذا أدنى مبالغة، عليه أن يدقق في المشهد العربي منذ أواخر 2024 وحتى الآن. ورغم الوضوح الشديد للأضرار والمخاطر، فإن ثمة ما يثير قلقاً عميقاً يصل إلى حد الفزع.. بسبب عدم التناسب بين حجم هذه الأضرار والمخاطر، ومستوى مواجهة النظام العربي لها.

وثمة ملاحظات عديدة – في هذا السياق – أتخير منها الثلاث التالية.

في الملاحظة الأولى.. أسجل غياب الحركة الفاعلة أو المؤثرة في مجرى الأحداث، فكل حركة النظام العربي.. محصورة في الاستجابات اللفظية لمظاهر الخطر وأعمال العدوان، بالاستنكار والإدانة، ودعوة الآخرين لاتخاذ مواقف.. يصعب تصور تبنيها من قِبَلِهم، بينما يرون أصحاب الشأن يكتفون بالكلمات. ويُلاحظ أن التحركات.. التي يمكن وصفها بالفاعلة – كتقديم المساعدات، أو بذل الجهود الدبلوماسية للتوصل لتسوية – تمت بمبادرة من دول عربية.. كمصر، وليس باسم النظام العربي. وحتى قمة مارس 2025 الطارئة.. التي عُقِدَت للتصدي لمخطط تهجير الفلسطينيين، تمت بمبادرة مصرية، وكانت هناك شكوك في مماحكات من البعض.. لتعويقها.

وترصد الملاحظة الثانية.. الأمد الزمني الطويل.. الذي أُتيح لمن يريد التدخل للتأثير في مجريات الأحداث، فقد كادت الحرب الهمجية على غزة تُكمل السنتين عمراً، دون أدنى قدرة على إيقاف العدوان أو تلجيمه أو محاسبته. وإذا كان التصدي لإسرائيل وحماتها مباشرة.. يبدو صعبا، فماذا عن الكوارث التي تجري صناعتها – على مرأى ومسمع من الجميع – دون أن يكون هناك الحد الأدنى من التدخل لمنعها؟ والمثال الأبرز؛ ما يجري الآن في لبنان من تطورات، يمكن أن تُفضي – لا قدر الله – لحرب أهلية حقيقية.. لا تُبقي ولا تذر. وأقصد بذلك التناقض – الذي خرج للعلن بين لبنان الرسمي – ممثلاً في رئيس الجمهورية وبين «حزب الله»، فقد اعتمد الرئيس – منذ اللحظة الأولى لتوليه – سياسة حصر السلاح بيد الدولة، بما يتسق مع الوضع الطبيعي لأي دولة، وهو ما ترتب عليه قرار نزع سلاح «حزب الله»، وتكليف الجيش بإنجاز المهمة.. قبل نهاية العام. غير أن الحزب والقوى السياسية المناصرة له.. يرون أن ذلك لا يمكن أن يتم في الظروف الراهنة، التي تواصل فيها إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، واحتلال أجزاء منه. ولذلك فإن عملية نزع السلاح.. لا يمكن أن تنفصل عن ضمان أمن لبنان في مواجهة إسرائيل. 

ومن المؤكد أن ثمة منطقا.. في وجهتي النظر معاً. لكن ما يقلق، أن النظام العربي الرسمي يتابع الموقف من مقعد المتفرج، مع أن التوتر يتصاعد والاحتقان يتزايد بوضوح. ولو تفجر الموقف، فقد يصعب – أو حتى يستحيل – احتواؤه، ومع ذلك فلا وجود لأي مبادرات عربية للتدخل على نحو حكيم.. لتفادي الصدام. وهو ممكن بالمناسبة.. لو خلصت النوايا، لكن الأمر متروك تماما للمبادرات الأمريكية، التي لا تراعي – أولاً وأخيراً – سوى المصالح الإسرائيلية، ويمكن أن ينسحب التحليل نفسه.. على ما يجري حالياً في سوريا.

وتبحث الملاحظة الثالثة.. في بدائل الحركة المتاحة للنظام العربي – الذي رأينا اقتصار استجاباته على المستوى اللفظي – فإذا كانت الواقعية تفرض استبعاد بدائل الحركة العسكرية.. بسبب الأوضاع الراهنة للنظام العربي – الذي تغيب عنه الرؤى المشتركة في قضايا عديدة، وعلى رأسها العمل العسكري المشترك – فإن ثمة بدائل لهذا العمل بطبيعة الحال.. قد لا تكون كافية، ولكنها قادرة – بالتأكيد – على تحسين الأداء في مواجهة التحديات المصيرية. وتتمثل هذه البدائل – كما هو معروف أساسا – في العمل الدبلوماسي والاقتصادي والإعلامي، وسوف أحاول في المقالة القادمة أن أناقش تفصيلاتها. 

لكن ما يهمني الآن، هو ما يبدو لي.. من أن ثمة تحوطاً – لدى دوائر داخل النظام العربي – من إغضاب إسرائيل؛ إما اتقاء لبطشها من قِبَل من لا يملك القدرة على التصدى لأطماعها وسياساتها، أو تجنباً لردود فعل الراعي الأمريكي الذي يتماهى معها.. مهما حاول إخفاء ذلك؛ هذا إن حاول أصلاً. 

ولن يكون ممكناً التحرك للأمام خطوة واحدة.. في مجال التصدي للخطط الأمريكية-الإسرائيلية ما لم يتم نسف هذا التحوط، على أساس إقناع أصحابه.. بأنهم – مع الآخرين – في قلب الخطر، الذي لن يحميهم منه تحوط أو خلافه، وأن المخاطر المحسوبة للتحركات العاقلة الرشيدة.. لمواجهة المخططات المتجسدة بالفعل على أرض الواقع، أو يجري تخليقها.. لمحاولة فرض أوضاع معينة في فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها، سوف تكون – أي مخاطر المواجهة المحسوبة – أقل بكثير.. من النتائج الكارثية لنجاح المخططات الإسرائيلية، التي يجري تنفيذها.. بدعم أمريكي غير مشروط. 

فإذا تحققت وحدة الرؤية العربية للخطر.. لدى الكافة – أو على الأقل لدى القوى العربية الوازنة – فسوف يصبح من السهولة بمكان.. تبني بدائل فاعلة للحركة.. في مواجهة تحدي البقاء، وهو ما تناقشه المقالة القادمة بإذن الله.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة