Times of Egypt

النظام الدولي «الأبوي» الجديد! 

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

في قمة حلف الأطلنطي يونيو الماضي، انحنى مارك روته – أمين عام الحلف – أمام ترامب مشيداً بقيادته.. قائلاً إنه «الأب»، الذي جعل أوروبا تدفع المزيد من الأموال.. مقابل الدفاع عنها. 

آتى التملق ثماره. تحدث ترامب بدفء غير معهود، وتحولت نبرته تجاه روسيا.. إلى بعض الشدة. 

لكن وصلة النفاق، وتقديم فروض الولاء.. سرعان ما استنفدت أغراضها، عندما التقى الرئيس الأمريكي نظيره الروسي قبل تسعة أيام. احتفى ترامب ببوتين، والأهم.. تبنى منهجه لوقف الحرب مع أوكرانيا؛ أي السعي للتوصل لاتفاق سلام وليس وقف القتال.

استدعى الأمر – كما كتب الكاتب البريطاني رافائيل بير – أن ينطلق «سرب حمام» أوروبي إلى واشنطن قبل أيام، لمرافقة الرئيس الأوكراني في لقائه ترامب.. على أمل توليد شحنة حب جديدة، واستمالة قلب الأب.. كي لا يتكرر مع زيلينسكي ما حدث نهاية فبراير الماضي، عندما قال له: «كلامك غير محترم. ليس لديك أية أوراق لتلعبها. يمكنك العودة مجدداً عندما تكون مستعداً للسلام». 

بدأ اجتماع ترامب بالقادة الأوروبيين.. مثل الأب الذي يجمع أولاده حوله، حيث يتبوأ الموقع الرئيسي، بينما يتناثرون حوله. ألا يذكرك المشهد بما كان يفعله السيد أحمد عبدالجواد.. في ثلاثية نجيب محفوظ الرائعة، عندما كانوا يقفون حوله حتى يتناول فطوره، ثم يجلسون بعد أن ينتهي من الأكل. 

لم يفعل ترامب ذلك مع زعماء أوروبا فقط. قبل أسابيع، مارس دور المدرس الذي لا يسمح لأحد بالإطالة، أو المبادرة بالكلام.. مع زعماء أفارقة. أدرك قادة آسيويون وأوروبيون ذلك، فأشبعوه نفاقاً وتملقاً وإبداءً للولاء. رئيسا وزراء اليابان وبريطانيا.. كانا نموذجين في اللعب على نرجسيته؛ فأسمعاه ما يريد حديثاً عن العظمة والحكمة، والقيادة الفريدة للعالم.

الأمر لا يقتصر على الشكل فحسب، بل المضمون كذلك. ترامب هو الأب، أو «البطريرك»، أو شيخ القبيلة.. الذي يحدد لعشائرها وبطونها (وهي هنا دول العالم)، القواعد التي تسير عليها. يهيمن على شؤونها، ويقسم بينها المكاسب والمغارم.. بعد أن يحصل على ما يُرضيه. وإذا حاول فرد – أو عشيرة – الخروج على ما أقره، نال عقاباً فورياً وعلنياً. 

الأمر هنا لا علاقة له بالشرعية الدولية، والقيم والمواثيق.. التي توافقت عليها الأمم عبر عشرات السنين. نعيش الآن «شرعية» ترامب.. التي تتغير من وقت لآخر؛ حسب رغباته ومصالحه.

علماء الاجتماع يشيرون إلى أن النظام الأبوي – الذي تشكل قبل آلاف السنين.. مع ظهور الزراعة – ولا يزال موجوداً في بعض المجتمعات، يتميز بسيطرة الذكور، وهيمنتهم البيولوجية والاجتماعية على مجتمعاتهم.. خاصة الإناث. 

أمضى البشر ردحاً طويلاً.. في وضع مجموعة من القواعد والمعايير والأعراف، التي تنظم التفاعلات بين الدول؛ بعضها مكتوب والآخر غير رسمي. وقد أدت إلى نوع من الاستقرار النسبي والتنظيم. 

مع ترامب، قواعد النظام الدولي في إجازة. هو وحده الذي يحدد نمط التفاعلات بين الدول. المنظمات الدولية لم يعد لها وظيفة. الاتفاقات التجارية والاقتصادية عفا عليها الزمن. 

إذا أرادت دولة أن تتعامل مع أمريكا حالياً، عليها إدراك أن مزاج ترامب ومصالحه هي الأساس، وأن الطريق للتفاهم.. يمر عبر النفاق والممالأة والتملق.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة