نبيل عمر
سؤال افتتاحي، قد يمهد لنا سبيلاً إلى مشهد النهاية لهذه الحرب، والمنتصر فيها.. بعيداً عن الدعايات الغربية، التي تفرد وتتوسع في تحليل التفوق الإسرائيلي، وبعيداً عن الدعاية الإيرانية التي لم تستطع أن ترتق الثغرات المهينة.. في نظام الأمن الإيراني، بالرغم من كل ما أحدثته إيران في إسرائيل من خسائر جسيمة!
السؤال هو: إذا كانت إسرائيل قد ألحقت ضرراً بالغاً بالبرنامج النووي الإيراني، وأعادته إلى الوراء سنوات، فلماذا لا تتوقف عن غاراتها طالما حققت الهدف المطلوب؟ وإذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتحفنا بأقواله اللوذعية.. عن سماء طهران المفتوحة، ونجاح إسرائيل الباهر في ضرب مشروع إيران النووي، فلماذا يهدد إيران بأن تستسلم بلا شروط قبل.. أن يلاحقها الدمار الشامل؟
بمعنى إذا كانت إسرائيل نجحت في تنفيذ أسباب عدوانها على إيران، فلماذا تستمر في حرب تدفع فيها ثمناً باهظاً.. لم يحدث أن تكبدته مدنها أبداً، إلى الحد الذي تحولت أجزاء منها إلى «قطاع غزة»؛ خاصةً في تل أبيب وحيفا، ومازالت تسقي الإسرائيليين مرارة الدمار.. الذي كانوا يهللون له في غزة، وهو أشد تأثيراً على الحالة النفسية والعقلية للإسرائيليين.. من الخسائر العسكرية في المعدات والجنود؟!
هل هي حرب عبثية؟
نعم، إذا كانت قد تجاوزت أهدافها الاستراتيجية.. إلى مجرد «القتل والدمار»، أو قد تكون الأضرار التي أوقعتها إسرائيل بالمنشآت النووية الإيرانية، لم تصل إلى الدرجة الهائلة التي قالت عنها، وتستطيع إيران أن تعالجها في بضعة أسابيع، لتعاود نشاطها النووي كاملاً!
فقط، يمكن أن نقول إن هذه الحرب أثبتت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. هو مجرم حرب فعلاً؛ خطورته على إسرائيل نفسها، لا تقل عن خطورته على الفلسطينيين وجيرانه العرب.. سواء كانوا إبراهيميين أو غير إبراهيميين. وأتصور أن التاريخ اليهودي سوف يصنفه -في مستقبل الأيام – مثلما صنف الألمان أدولف هتلر في تاريخ ألمانيا.
المدهش حقاً، أن إيران بدأت برنامجها النووي في عام 1957، بمساعدة الولايات المتحدة.. ثم راحت تطوره في منتصف السبعينيات. لكن بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، سحبت واشنطن دعمها، ثم ظهرت مخاوف من أن تعدل إيران البرنامج السلمي إلى أسلحة ذرية، فعمل الإيرانيون على تبديد قلق أمريكا والغرب.. بتأكيد أنهم ملتزمون بتوقيعهم على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
… ظل الجذب والشد قائماً بين الطرفين، بسبب قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وهي عملية ضرورية لإنتاج وقود محطات الطاقة، ويمكن استخدامها أيضاً في صنع قنبلة نووية، وارتفعت درجة التوتر.. حين أعلن مفتشون دوليون عن عثورهم على آثار يورانيوم عالي التخصيب في منشأة «نطنز» (من المنشآت التي ضربتها إسرائيل.(
بعد إعلان المفتشين، أوقفت إيران التخصيب سنوات، ثم عادت إلى استئنافه في 2006، باتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الغرب لم يقبل الأمر، وفرض على إيران عقوبات تصاعدية، دون أن يغلق باب المفاوضات معها، حتى توصلا لاتفاق في عام 2015، بتخفيض درجة التخصيب، وتقليص مخزونها من اليورانيوم.. مع تدابير أخرى، مقابل تخفيف هذه العقوبات!
بالطبع لعبت الولايات المتحدة الدور الرئيسي في كل هذه المفاوضات، حتى انسحب منها ترامب في عام 2018.
من هنا نفهم أسباب سخرية المذيع الأمريكي جون ستيوارت – في برنامجه الشهير – من الهجمات الإسرائيلية على إيران، وتساؤله: لماذا الآن؟ ثم أتى بالإجابات على لسان نتانياهو – في ثلاثة مواقف – الأول؛ كان نتانياهو واقفاً أمام رسم لقنبلة مقسمة إلى أجزاء، ويقول: بحلول الربيع المقبل – وعلى الأكثر مع الصيف، سيكونون قد انتهوا من التخصيب المتوسط – وهو يعادل 90% من صناعة القنبلة، أي أصبحوا على بعد شهور منها.. كنا في سنة 2012!
الموقف الثاني.. وهو يقول تليفزيونياً: إيران خطيرة للغاية، وعلى بعد أسابيع من امتلاك المواد الانشطارية.. اللازمة لترسانة كاملة من القنابل النووية. كنا في سنة 2015!
الموقف الثالث.. أمام خريطة لصاروخ – مشيراً بأصبعه نحوه – قائلا: هذا هو الصاروخ، وهذه هي القنبلة داخل رأسه.. كنا في 2018، السنة التي انسحب فيها ترامب من الاتفاق!
إذن، تبدو قنبلة إيران الذرية أقرب إلى تهديد بالردع، تهديد تضغط به على الغرب والولايات المتحدة.. للحصول على مكاسب أعلى في أي مفاوضات بينهما. وحين واجهت ترامب – وهو سمسار محترف – لم تفلح لعبتها، فعاقبها.. بأن أوعز لنتانياهو ضرب منشآتها النووية، وهو ما كانت ترجوه إسرائيل، لتؤكد مدى هيمنتها العسكرية على الشرق الأوسط الجديد!
نعود إلى السؤال الافتتاحي.. أو إلى سؤال حضاري مرتبط به: هل يعرف الرئيس ترامب مكونات الشخصية الإيرانية، ليطلب من إيران أن تزحف عائدةً إلى مائدة المفاوضات دون شروط؟، أظنه لا يختلف عن نتانياهو.. الذي تصور أن قتل قادة عسكريين كبار وعلماء ذرة، أو حتى المرشد الأعلى.. يمكن أن يدفع إيران إلى الاستسلام؟
إيران أمة ذات جذور حضارية عميقة، تأسست أول إمبراطورياتها سنة 550 قبل الميلاد، أي أن الشخصية الإيرانية مرت – لآلاف السنين – بأحداث كبرى متنوعة.. شكلت القيم والهوية، وغرست شعوراً بالفخر والعظمة، والقدرة على الصمود والتحمل، ومواجهة التحديات والنفوذ الأجنبي.
أي أن قدرة إيران على تحمل الضربات والخسائر.. أعلى كثيراً من قدرة إسرائيل، التي يستحيل أن تكسب الحرب بالتفوق الجوي فقط، ولهذا تستميت لتوريط أمريكا معها، والأهم.. أن ضربات إيران للداخل الإسرائيلي، أكثر إيلاماً ووجعاً.
باختصار، لا تتوافر لإسرائيل شروط كسب هذه الحرب، ولن تسمح أمريكا بخسارة إسرائيل لها، ويظل السؤال الأهم معلقاً: هل فهمت «طوائف» العرب رسالة نتانياهو؟
نقلاً عن «الأهرام«