عبدالله عبدالسلام
حتى بداية التسعينيات، كانت نخبة المجتمع المصري.. نتاج تعليم المدارس الحكومية. الوزراء والأطباء والمهندسون، والدبلوماسيون وغيرهم، تعلموا في مدارس القرى والمدن الصغيرة، ثم دخلوا الجامعات الحكومية.
الآن، تغيرت المعادلة بشكل كبير. ورغم عدم وجود دراسات ميدانية وإحصاءات دقيقة، إلا أن خريجي المدارس الخاصة – وتحديداً اللغات أو الدولية – أصبحوا النخبة الجديدة في مصر. مجرد وضع معلومة خريج مدرسة دولية أو لغات.. في السيرة الذاتية، يُعطي الشاب أسبقية على زملائه الآخرين. أيضاً، هناك وظائف عديدة.. تفترض إتقان لغة أجنبية؛ مما يجعل معظم خريجي المدارس الحكومية، والذين حصلوا على شهادات عليا من جامعات حكومية، غير قادرين على الفوز بهذه الوظائف.
اللغة الإنجليزية.. تُحدد مصير الشاب حالياً. إذا كانت إنجليزيته، على الطريقة الشعبية – أي لغة مدارس الحكومة – تتضاءل فرصه.. مهما حصل على شهادات جامعية، والعكس صحيح. هذا الأمر ليس في مصر فقط. المدارس الخاصة غزت التعليم في العالم. 17% من تلاميذ التعليم الأساسي.. بشتى الدول، يدرسون في مدارس خاصة. و26% في المرحلة الثانوية. لكن النسبة أقل في بريطانيا.. طبقاً لمقال نشره مؤخراً أليستر كامبل، مسؤول الإعلام الأسبق في عهد توني بلير. قال كامبل إن 93% من البريطانيين يدخلون مدارس حكومية، لكن من يسيطر على الوظائف الممتازة في الحكومة والقضاء والإعلام والمصارف وغيرها هم الـ 7%، الذين تلقوا تعليماً خاصاً. ورغم أن وزراء الحكومة العمالية الحالية.. تلقى معظمهم تعليماً حكومياً، إلا أن ذلك لا يعني أن بريطانيا دولة قائمة على الجدارة، وأن الحراك الاجتماعي حقيقي، وأن بإمكان أي شخص أن يصل إلى القمة.. طالما أنه يتمتع بالموهبة والالتزام والعزيمة.
التعليم الخاص يمنح – طبقاً لكامبل – ميزات كبيرة لمن يلتحقون به. فرص استحواذهم على المناصب العليا في الحكومة، وغالبية الوظائف التي تُمثل كريمة المجتمع.. أكبر. نادي الـ 7% لايزال يمارس قوة سياسية وثقافية واقتصادية. ثقافة العمل مُنحازة إلى خريجي المدارس الخاصة. ورغم أن خريجي المدارس والجامعات الحكومية، يُحاولون التكيف مع هذا الوضع، إلا أن أماكن العمل لا ترحب بهم. إنهم يشعرون بأن هناك عالمين: العالم الذي أتوا منه، والآخر الذي يعملون فيه. اللهجة والملابس والهوايات والأكل.. بل حتى طريقة الحديث ولغته، مختلفة.
ألا نجد شيئاً شبيهاً بذلك.. عندنا. أماكن عمل كثيرة أصبحت تتعامل بالإنجليزية، رغم أنها تتوجه لمستهلكين مصريين.. يتحدثون العربية. الشركات والعقارات والاتصالات والصيرفة – وحتى بعض المطاعم – تُقدم نفسها، وكأنها فروع لشركات أجنبية، رغم أنها مصرية قلباً وقالباً. المناخ الذي تعمل فيه مختلف.. ثقافياً واجتماعياً، عن المحيط الذي تتواجد فيه.
القلة من خريجي المدارس الحكومية – الذين نجحوا في اختراق هذه الأماكن – ينطبق عليهم قول المتنبي: «ولكن الفتى العربي فيها.. غريب الوجه واليد واللسان». أعضاء «أندية» خريجي المدارس الحكومية – المنتشرة عبر ربوع مصر – لابد أن ينالوا الفرصة.. للوصول إلى وظائف النخبة.
لا يكفي فقط، أن يكون الشخص خريج مدارس خاصة أو أجنبية.. حتى يحصل على حق ليس جديراً به. الحراك الاجتماعي الحقيقي يبدأ من هنا.
نقلاً عن «المصري اليوم«