Times of Egypt

الناس في محافظة الغربية

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

لا يعني إلقاء الضوء على مشاكل يعانيها الناس.. في مناطق جغرافية بعينها، وقطاعات اجتماعية بذاتها؛ إنكاراً لما أُنجز ويُنجَز في ربوع الوطن، وهي إنجازات حقيقية.. وضخمة بكل المعايير. 

… يؤدي تفاقم المشكلات على عاتق المواطنين – في أكثر من مجال – إلى كف البصر وطمس البصيرة.. عن رؤية وإدراك وتثمين.. ما تم ويتم إنجازه، وخاصة أن مراعاة البعد المستقبلي ظلت قائمة.. في تخطيط وتنفيذ كل المشروعات. 

حديثي سينصب على ما يعانيه مواطنو محافظة الغربية، التي شاء قدرها الجغرافي أن يكون موقعها نعمة ونقمة في الوقت نفسه؛ فهي صُرَّة الدلتا المتصلة بمحافظات المنوفية وكفر الشيخ والبحيرة والدقهلية والشرقية، وهي مركز لصناعات رئيسية – في المحلة الكبرى وكفر الزيات – وهي المقر الذي آوى إليه قطب الغوث أحمد البدوي، وهي مسقط رأس مئات من مشاهير كبار قارئي القرآن الكريم والمنشدين، والفنانين في كل مجالات الفن، والأدباء والعلماء والكتاب والمثقفين. وفيها كنائس وأديرة من أقدم الكنائس والأديرة… إلى آخر ما تميزت به ويجل عن الحصر. أما النقمة فقد تركزت في شبكة المواصلات بين قراها ومدنها الصغيرة، وبين عاصمتها ومدنها الكبيرة. وفي عدم وجود ظهير صحراوي لها. وفي اضمحلال مرافق خدماتها. وفي غياب التخطيط لفتح آفاق لأنشطة اقتصادية غير تقليدية.. تستوعب الزيادة المتصاعدة في عدد السكان!

ولقد تلقيت على الدوام عتاباً – يتصاعد أحياناً ليكون تأنيباً وسخطاً – مضمونه أن الكتاب والصحفيين، وعموم من قد يصنفون من نخبة أبناء قرى ومراكز المحافظة؛ لا يلتفتون كثيراً للمشكلات التي تحاصر أهلهم.. في مساقط رؤوسهم، ومرابع طفولتهم وصباهم وشبابهم المبكر. وإذا حدث أن تذكر أحدهم ما يعانيه أهل المحافظة.. فهي صدفة سريعة تأتي وكأنها إبراء للذمة. ومن هذا القبيل – وكحالة محددة – فإن مركز بسيون.. وقراه الممتدة شمالاً إلى حدود محافظة كفر الشيخ، أي مركزي دسوق وقلين، وجنوباً وغرباً إلى طنطا وكفر الزيات، وشرقاً إلى قطور؛ يعاني أشد المعاناة.. من عدم توافر وسائل المواصلات التي تنقل الطلاب إلى الجامعات في طنطا ودمنهور وغيرهما، وإلى الكليات الأزهرية التي أنشئت في بعض المراكز والقرى، وإلى المعاهد العليا والمتوسطة. ولنا أن نقرأ مشاهد لبنات وصبيان.. يستيقظون فجراً، ويتكدسون في مواقف الميكروباصات وسيارات نصف النقل، بل التكاتك، ولا يستطيعون الوصول إلى أماكن دراستهم، ناهيك عما يسببه الزحام من إهدار لكرامة وحياء البنات.. ومن مشاجرات ينتجها التدافع للركوب والانحشار والشعبطة. 

وهنا أتذكر الحال في الفترة التي عاصرتها هناك.. أيام أن كان الطريق من طنطا إلى بسيون ثم إلى دسوق ترابياً، يتحول في الشتاء إلى معاجن من الطين والروبة والحفر العميقة.. فتتوقف المواصلات، وقد يخرج المسافر إلى دسوق أو إلى طنطا إلى المحطة الملاصقة لترعة القضابة.. ويعود دون أن يسافر. وكانت الحمير وعربات الكارو هي البديل الوحيد المتاح. ولكن ما كان يخفف من الوطأة آنذاك.. هو قطار الدلتا، الذي كانت شبكته تمتد إلى أعماق الريف، وكان ينقل الركاب والمواشي والمحاصيل. ورغم بطئه وتهالكه، فإنه كان يحل جزءاً كبيراً من المشكلة، ثم تم إلغاؤه، وأزيلت الجسور الترابية المكسوة بالزلط.. وعليها الفلنكات والقضبان، وأزيلت مباني المحطات. 

ورغم أن طرقاً كانت ترابية تم رصفها، وأن وسائل النقل تعددت.. من ربع النقل ونصفه إلى الميكروباصات والتكاتك، فإن الزيادة السكانية، والإقبال على التعلم، واتساع فرص العمل.. في مدن المحافظة وعاصمتها، ومدن أخرى في محافظات مجاورة؛ فاقم من أزمة المواصلات، وهذا هو نصف الكوب الفارغ، الذي يعمي الأبصار ويطمس البصائر.. لتجبر إجباراً على إنكار النصف الممتلئ. وعلى دوام التبرم والشكوى، والتساؤل الاستنكاري الذي مؤداه: ماذا عاد على المواطنين من تلك المشروعات الكبرى؟! 

لقد أثيرت مسألة وجود ظهير صحراوي لمحافظة الغربية، وقد رجعت إلى ما توافر لي من مصادر معلومات.. فوجدت أن المناقشات مستمرة منذ وزارة الجنزوري، وتصاعدت في وزارة شريف إسماعيل.. حتى الآن؛ حيث قرأت تقريراً إخبارياً نشرته «اليوم السابع» في شهر مايو 2025، وفيه أن لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب.. ناقشت عدداً من الملفات التي تخص محافظة الغربية، وأن المحافظة تقدمت بمقترح لدراسة تخصيص 54 ألفاً و251 فداناً بناحية وادي النطرون والعلمين، لإقامة مجتمع عمراني جديد.. ليكون ظهيراً صحراوياً لمحافظة الغربية، التي تعاني في التوسع الأفقي! وإلى الآن – حسب علمي – فإن الأمر لم يُحسم ولم يُنجَز، لتبقى الغربية محشورة، يعاني أهلها مما ذكرت، وليجبروا على البناء والتوسع في الأراضي الزراعية.. التي هي من أخصب أراضي مصر، وراكم النهر تربتها عبر ملايين السنين! 

إنني لا أريد أن أوجه أصابع اتهام لأحد بعينه، وظني أن المسؤولين هناك – وعلى رأسهم المحافظ – يبذلون جهدهم لحل مشكلات الناس، وأن بعض المشكلات لا حل لها.. إلا على المستوى القومي، أي من رئاسة الوزارة والوزارات. 

وأختم برجاء لمحافظ الغربية، هو أن يقتحم مشكلة المواصلات، ويدعو للقاءات مع أبناء المحافظة.. الذين يعدون من نخبتها، للوصول إلى حلول؛ منها الاكتتاب الواسع.. لإقامة مشروع يوفر وسائل المواصلات، وبحث الصيغة المؤسسية للمشروع.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة