Times of Egypt

«النادرة» و«الشيبس».. صراع في الوادي

M.Adam
مصباح قطب 

مصباح قطب

أعلى مستوى صراعي غير عسكري في عالمنا الآن، هو ذلك الذي يدور بين الولايات المتحدة والصين، حول من يلوي كل منهما ذراع الآخر.. بالورقة المميزة – من الأوراق التي تخص وادي السيليكون – في يد كل لاعب منهما. أمريكا لا تزال في المقدمة في مجال صناعة شرائح الماكروتشيبس فائقة الدقة، ولو أن الصين تحاول اللحاق وتحقق نجاحاً. والصين في المقدمة بمسافات مهولة في مجال حيازة المعادن النادرة، وتهيمن على 70 % من كمياتها عالمياً، و90% من قدرات معالجة تلك المعادن. والمعالجة هنا.. لا تقل تعقيداً عن تعقيد صناعة معدات الميكروتشيبس، والشرائح الدقيقة ذاتها. 

تحليلات المراقبين تشير إلى أن تراجع ترامب عن مستويات الجمارك الفظيعة.. التي فرضها على الصين، يعود بالأساس إلى إدراكه أن تهديد الصين – بتقييد بيع المعادن النادرة للشركات الأمريكية، التي بدونها لن يكون هناك سيليكون ولا وادي – أقسى أثراً على الولايات المتحدة.. من تقييد أمريكا لبيع الشرائح الدقيقة للصين. والشرائح – كما نعلم – مربط فرس.. فيما يخص سلامة سلاسل التوريد الخاصة بصناعة السيارات (بشكل أخص) وصناعات الدفاع والطب، فضلاً عن فوائدها الأخرى. والصين وكوريا وتايوان وهولندا.. لاعبون مميزون نسبياً فيها.

يزيد من توضيح الصورة، أن الصين اعتذرت مؤخراً.. عن استقبال وزير خارجية ألمانيا، وطلبت أن يزورها وزير مالية الأخيرة بدلاً عنه. وقد حدث. واعتبر الوزير الألماني أن أهم ما خرج به من الزيارة، تعهُّد الصين باستدامة توريد المعادن النادرة إلى ألمانيا. نقول ذلك رغم، أن ألمانيا وفرنسا انتفضتا معاً – في قمة رقمية أوروبية عُقدت في برلين الثلاثاء الماضي – دفاعاً عن السيادة الرقمية الأوروبية في مواجهة الصين وأمريكا، وكان التركيز الأوروبي على الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، وبناء مزيد من قواعد البيانات، وتطوير التكنولوجيات الرقمية عموماً، والحد من احتكار الشركات الأمريكية الكبرى للخدمات الرقمية، لكن لم تظهر في القمة أي إشارة إلى تعويض النقص الأوروبي الفادح.. في المعادن النادرة.

الطريف، أن «واشنطن بوست» نشرت منذ أيام فقط.. عن مسعى أمريكي لكسر الاحتكار الصيني الخانق لسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، بالاتجاه نحو مصفاة ماليزية لتلك المعادن.. عمرها 15 عاماً، لتقليل الاعتماد على بكين.

المصفاة تملكها شركة «ليناس» الأسترالية، وتقع في ولاية باهانج الماليزية، وهي تُعد الوحيدة خارج الصين.. لمعالجة هذه المعادن الحيوية.

وحسب الصحيفة، فإن المشروع الأسترالي.. مموَّل جزئياً من قبَل شركة يابانية حكومية، ويستعد لاستضافة مصنع جديد.. مزوَّد بتقنيات «مغناطيس فائق»، طوَّرتها كوريا الجنوبية. وهذا التعاون – متعدد الأطراف – يجسد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لبناء سلاسل توريد بديلة ومرنة. 

إضافة إلى ذلك، كانت أمريكا قد ضخَّت مليارات الدولارات في مشاريع محلية.. لمعالجة المعادن النادرة، بما في ذلك تمويل منشأة جديدة لـ «ليناس».. لكنها في تكساس، إلا أن التقدم فيها غامض – بحسب الصحيفة – ويواجه عقبات.

المفاجأة الأخرى، هي أن القيادة الصينية كانت قد أمضت أكثر من عقد.. في ترسيخ وجودها في قطاع المعادن النادرة الماليزي، حيث تضغط على الشركات المحلية.. لتوجيه خاماتها إلى مصافيها.

ووفقاً لمسؤولين أمريكيين وماليزيين، فإن الموردين الصينيين أوقفوا مؤخراً توريد قطع غيار للآلات – صينية الصنع – في منشأة «ليناس»، مما اضطر الشركة لتصنيع بدائل محلياً.. بتكلفة أعلى، كما أن شركات التعدين الماليزية، التي تعمل بتقنيات صينية، توجه إنتاجها بالكامل تقريباً إلى السوق الصينية.

يعني «تيجي تصيده يصيدك».. والأدهى، كما أكدت مصادر ماليزية، أنه لا يوجد أي شركة خارج الصين، يمكنها معالجة معادن مثل الجادولينيوم واليتيربيوم بالذات.

أخيراً، يؤكد الخبراء أن بناء سلسلة توريد كاملة للمعادن النادرة، من المنجم إلى المنتج النهائي، عملية معقدة تستغرق سنوات، بينما أمضت الصين أربعة عقود في بناء هيمنتها.

السؤال البديهي: أين نحن من كل ذلك؟

لقد ذهبت للمشاركة في المحور الاقتصادي بالحوار الوطني.. مرة واحدة، لأؤكد فقط أنه لولا شركة «تي إس إم سي» – التي أقيمت في تايوان.. بمساعدة من «إنتل»، لإنتاج الشرائح الدقيقة – لكانت تايوان قد انتهت.. بلا أي رد أمريكي؛ أي أن مستقبل الدول قد يكون مرتبطاً كلياً.. بمقدار تموضعها في سلسلة القيمة التكتولوجية هذه، ولذا لا بد مصرياً من تقديم كل الحوافز للاستثمار.. في جانب من السلسلة، ولم تكن هناك فرصة لأقول إن واحداً من أهم علماء العالم في صناعة الميكروتشيبس، هو مصري من أبناء كفر الشيخ، وخريج جامعة الإسكندرية، وتقول «إنتل» ذاتها إنه صاحب الفضل في نهوضها من كبوة هدَّدت وجودها منذ عقدين، ويوجد رواد مصريون غيره. وقد علمت من عالمنا هذا.. أن قصة محاولة إقامة وادي سيلكون مصري في الإسماعيلية (مصنع تغليف للشيبس) فيها فصول مأساوية، وأنها انتهت عموماً بإقامة المصنع في إسرائيل. 

يبقى أخيراً أنني أعتقد أن أفضل ما يمكن أن تفعله مصر، هو توظيف سمعتها في عالم التفاوض النزيه والحوار البناء، وإيجاد حلول للمعقد والمستعصي، ولذلك اقترحت بشكل مفصَّل، ومتطوعاً، على وزير البترول السابق المهندس طارق الملا، أن ننظم في مصر سنوياً قمة نسميها «القمة العالمية للمعادن النادرة»، وتنتهي بإصدار ميثاق القاهرة العالمي، لإنتاج وتصنيع وتداول تلك المعادن، ولم يرد قبل أو بعد ترك الوزارة، ولكن لعل أحداً يرد الآن.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة