Times of Egypt

الموتى يشهدون أمام القضاء!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام..
كريستوفر بيلكي، مواطن أمريكي، تعرَّض للقتل قبل 3 سنوات. الشهر الماضي، عقدت محكمة بولاية أريزونا جلسةً للنطق بالحكم على قاتله. المفاجأة أنه – لأول مرة في التاريخ الأمريكي والعالمي – وقف القتيل وأدلى بشهادته. سمحت المحكمة لصورة رمزية.. مصمَّمة بالذكاء الاصطناعي، بالظهور أمامها باعتبار أنها كريستوفر، الذي قال: «أنا أؤمن بالمغفرة، والله هو من يغفر». عامل القاضي «الصورة الناطقة» ليس على أنها شخص ينوب عن القتيل، بل القتيل نفسه. قانون الولاية يسمح لأقارب المتوفى باختيار أي وسيلة.. يمكن من خلالها تقديم بيانات ومعلومات تفيد القضية.
أخت كريستوفر استخدمت مقاطع فيديو وصوراً قديمة له، لمساعدة الذكاء الاصطناعي على «خلق» ما أسمته «فرانكشتاين الحب» الذي يعفو عن قاتله. القاضي وجد أن الأمر مؤثر للغاية، وقال مخاطباً «القتيل»: «لقد أحببت شخصيتك التي أنتجها الذكاء الاصطناعي. شكراً لك على ذلك. بقدر ما أنت غاضب، ولك الحق مثل عائلتك، فإنك غفرت لقاتلك». ثم حكم بالسجن 10 سنوات ونصف على القاتل. ماذا يحدث بالضبط، وإلى أين يقودنا الذكاء الاصطناعي؟
لقد أصبح – كما تقول الكاتبة البريطانية جِمايما لويس – مقنعاً.. لدرجة أنه يمكنه أن يجعلنا نستجيب عاطفياً، رغم أننا نعرف أنه مجرد روبوت «ارتدى ملابس» شخص ميت. ثم ماذا عن الآثار القانونية والأخلاقية والدينية.. لوضع كلمات على ألسنة الموتى. كلمات لم يقولوها لكننا نقتنع بها، ونصدق أنها كلماتهم. هل كان ممكناً تصور ذلك قبل سنوات قليلة؟
الأمر ليس مقتصراً على تلك القضية فقط.. التي تُعد محاولة للحصول على حق القتيل، لكن أصبح له أغراض تجارية بحتة. هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أطلقت دورةً في الكتابة المهنية يتم من خلالها – وبالاستعانة بالذكاء الاصطناعي – تقمُّص أسلوب الكاتبة البريطانية الراحلة أجاثا كريستي (1890-1976)، المعروفة برواياتها البوليسية ذائعة الصيت. وحتى لا تعترض أسرة كريستي، تم الاتفاق معها.. على الحصول على جزء من العائدات.
لكن السؤال يبقى قائماً: ماذا سيحدث؟ وإلى أين يسير البشر؟.
هناك الأسوأ. شركات تجارية توفر «روبوتات ميتة» للأقارب الحزانى.. مقابل 30 دولاراً فقط. يمكن استدعاء الوالد أو الأم، أو أحد الأقارب المتوفين.. من خلال تدريب الروبوت على رسائل البريد الإلكترونية الخاصة بالراحل، وتزويده بالكلمات المعتادة التي كان يستخدمها، والعادات، وحتى النكات العائلية، من أجل أن تظهر لنا صورة ناطقة تماثله تماماً.
أين كرامة الموتى؟ ولماذا يتم السماح للذكاء الاصطناعي بالتدخل غير المسبوق في هذه الأمور شديدة الخصوصية، والتي لا يمكن التعامل معها على أساس تجاري ومادي بحت.
جِمايما لويس تقارن بين هذا الفعل اللاإنساني، وبين ما كان يقوم به لصوص المقابر قبل مئات السنين.. من سرقة أجساد الموتى؟ لقد كان اللصوص يتكسَّبون، والآن هناك من يتكسَّب ويربح على حساب الموتى.
الفرق أن الناس كانوا يعاملون لصوص المقابر على أنهم مجرمون، أما من يقومون بأفعال مماثلة حالياً، فيتم اعتبارهم عباقرةً في التقدم العلمي والتكنولوجي. الذكاء الاصطناعي ثورة علمية لا مثيل لها في التاريخ، لكن هل يكون البشر، خاصة الموتى منهم، هم ضحاياها؟
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة