Times of Egypt

المهمة المقدسة في تأهيل الشباب

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال..


في الكلية العسكرية التكنولوجية، تمت منذ أيام، مراسم تخرج الدورة الخامسة لفنيي السكة الحديد، المرشحين للعمل في الهيئة القومية لسكك حديد مصر، التابعة لوزارة النقل.وتضمَّن حفل التخرج تفاصيل مهمة.. حول ما درسه الخريجون، وحول مشاريع تخرجهم، التي عكست مستواهم المتميز.
… قرأت الخبر مرة واثنتين، وفي ذهني اشتباك بين ما عرفناه جميعاً وعانيناه، وجعلنا في رأس قائمة المناطق التي تشهد حوادث نقل فادحة، وبين ما سمعته من بعض المثقفين الذين يعيبون تلك الدورات، التي ينتظم فيها المقبلون على تسلم عمل في مؤسسات الدولة ومرافقها، بدعوى أن ذلك تكريس لثقافة السمع والطاعة! ويقولون ذلك.. غير قابلين لأي رد أو مناقشة تضع الأمور في نصابها الصحيح.
وأول أمر أراه في نصابه.. هو المقدمة التاريخية التي تعود إلى عصر محمد علي باشا؛ حيث أقدم الرجل على الشروع في إنشاء بنية أساسية للدولة المصرية.. أي شبكات للطرق وللري والصرف، ومصانع ومدارس عامة وعليا، ومستشفيات ومباني للوزارات وما يتبعها، وثكنات للجيش والشرطة إلى آخره.
ولأن مصر عرفت – آنذاك – نوعاً واحداً من التعليم؛ يبدأ بالكتاتيب وينتهي بمعاهد أزهرية، وحلقات في صحن الأزهر، وليس فيه ما يؤدي لتجهيز وتعليم عنصر بشري.. يستطيع القيام بالمهام المطلوبة لإنجاز تلك المشاريع، اتجه الباشا إلى تطوير الأزهر – وفق مشروع قدمه الشيخ حسن العطار – بما يفي بوجود ذلك العنصر البشري، إلا أن المشايخ التقليديين تصدوا للأمر.. بالرفض والتهديد، فما كان من ولي الأمر–آنذاك- إلا إنشاء تعليم موازٍ، يتكفل بتوفير البشر المطلوبين. وكان يرسل المندوبين ليطوفوا في كل مناطق القاهرة والأقاليم.. لاختيار الصبيان الذين يتوسم فيهم النباهة والاستعداد للتعلم، ليجمعوا في مبانٍ مخصصة لهم.
وتبدأ برامج التأهيل بالاستحمام وحلاقة الشعر، واستبدال الملابس الإفرنجية «البنطلون والسترة»..بالملابس القديمة، وتبدأ الدروس النظامية، ومن يتميز يتم اختياره للبعثات. فإذا عاد منها، انتظم في الحضور داخل قشلاقات الجيش بالقلعة، ويتلقى الأمر بإعداد ملخص عما درسه، وترجمة بعض المراجع في تخصصه.. ليجاز ويمنح رتبة عسكرية، ويكلف بالمهمة المناسبة لتخصصه. وكان الباشا يتابع بنفسه هذه المهمة، ويلتقي هؤلاء.. ليوجههم ويحاسبهم! وهذا كله، يعني أن الاستعداد الذهني والانضباط والكفاءة، والتعلم والتطبيق الصارم.. أمور تلزم للنهوض بأي مشروع نهضوي!
ولقد مرت مصر بظروف تاريخية – لا مجال الآن للتفصيل فيها – أدت إلى الانحطاط الحضاري والثقافي، والانهيار في منظومات قيم العمل، والإبداع والالتزام، والحفاظ على المال العام، وصرنا نعاني الإهمال والدمار في معظم.. إن لم يكن كل، المرافق الخدمية، وعلى النحو الذي كان ما يحدث في السكة الحديد، وفي الطرق السريعة.. نموذجاً فادحاً للإهمال واللامبالاة، بل ولتعمّد أهل الشر.. إحداث كوارث تزهق فيها الأرواح، وتهدر الأموال العامة، وتدمر المرافق، وبات أي مسؤول لا يجرؤ على التصدي لهؤلاء لأنهم كانوا شبكات إجرامية تتحدى وتحاصر!
وقس على ذلك – وبدرجة مماثلة أو أقل – ما تفشى من فساد وإفساد وإهمال ولامبالاة، وإمعان في بيروقراطية الفتك بالمواطن.. إذا اضطره حظه العاثر أن يقع في قبضة معظم موظفي المصالح الحكومية، بل إننا وصلنا إلى أن يكون السعي لتسهيل سبل الاستثمار في مصر، وتسهيل الإجراءات في مصالح.. مثل الشهر العقاري وجهات الترخيص والضرائب وغيرها؛ جزءاً رئيساً من الخطاب الإعلامي والسياسي لكبار المسؤولين، بل ولرئيس الوزراء نفسه.
وفي كل ما سبق، تأكد أن مربط الفرس فيه.. هو غياب العنصر البشري المؤهل للمهمة النهضوية في المجالات كافة. وأن أصل البلاء هو العنصر البشري غير المؤهل، وغير المدرك لأهمية ما يتم إنجازه – أو مطلوب إنجازه – والمصر على الإهمال واللامبالاة، والعداء للمال العام، وللناجحين في أي مجال.
وعلى ذلك، كان الحل العاجل والمضمون، هو أن توجد جهة مؤسسية رسمية تقوم بمهمة تأهيل العناصر البشرية.. التي يتم اختيارها لشغل المواقع المطلوبة في مؤسسات الدولة كافة، بعد أن تقوم الجهات الفنية بالتأكد من توافر الشروط والمؤهلات في هذه العناصر!
لقد كان وما زال، وسيظل مطلوباً.. أن يتعلم شبابنا – الذي توافرت فيه مؤهلات وشروط العمل في جهة ما – الولاء والانتماء والانضباط والدقة والالتزام، وحب الوطن والتفاني في خدمته بأداء المهام أداء لا مزاح فيه.
ثم يبقى أن نقول لكل هؤلاء المنتقدين لتلك الخطوة: ماذا لو أن كلاً منا في دائرته.. سعى لتكريس القيم التي غابت واندثرت؛قيم الانتماء والولاء للوطن، وقيم الانضباط والتميز في أداء العمل، وقيم أداء الواجب بروح رسالية.. لدى الأجيال الطالعة الساعية لبدء حياتها العملية. يعني لو أن الأحزاب السياسية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني والمساجد والكنائس.. كلها وغيرها، حرصت على التصدي لهذه «البارومة» التي أجهزت على كل ملليمتر في جسد المجتمع.. لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، واحتجنا إلى إنقاذ عاجل للغاية أقدمت معاهدنا العسكرية على القيام به.
تحية لمن بذلوا الجهد والوقت، وأعطوا العلم والخبرة.. كي تصير مصر وطناً للإنجاز والإنتاج والرفاهية.


نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة