عبدالله عبدالسلام
«نعم خسرنا في سوريا. نحن يائسون للغاية. إذا كان هذا ما تحتاج مني أن أقوله، فلنواصل.. أنا لا أستطيع التخمين بما سيحدث».. هكذا رد سيرجي لافروف – وزير الخارجية الروسي – على سؤال في لقاء تليفزيوني بالدوحة.. قبيل ساعات من سقوط دمشق، وهروب بشار الأسد.. حليف موسكو الوثيق.
في قطر أيضاً – وعلى هامش منتدى الدوحة 2024 – أصدر وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا و5 دول عربية بياناً.. دعوا فيه إلى إنهاء العمليات العسكرية، وإجراء مشاورات بشأن حل سياسي.. بين بشار والمعارضة. بعد 6 ساعات من مغادرتهم، استيقظ الوزراء على سقوط الأسد، وسقوط الدبلوماسية. لم تكن الدبلوماسية غير ذات أهمية، ولا صلة لها بالواقع، كما ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية.
كانت الأفعال – وليس البيانات – هي التي تتكلم.. مصداقاً لقول أبي تمام الشاعر العباسي «السيف أصدق أنباء من الكتب.. في حَدِّه الحَدّ بين الجِد واللعب».
«أحداث تاريخية».. أصبح التعبير مستهلكاً من فرط استخدامه، لكن هذا ما وقع بالفعل في سوريا. الشرق الأوسط يترنح.. لأن ما كان مستقراً وراسخاً فيه من حقائق وأفكار، لم يعد كذلك. القوة الإيرانية المنتشرة في المنطقة – من خلال الفصائل والميليشيات المتحالفة معها – توقفت عن الفاعلية. النفوذ الروسي المتجذر في سوريا – الحليف الأهم لموسكو بالمنطقة – لم يعد له أثر.
هناك تغيير في موازين القوى بالمنطقة، سيعيد تشكيل الخرائط والأدوار لسنوات طويلة قادمة.
حتى أسابيع قليلة مضت، افترض اللاعبون الأساسيون على المسرح السوري، أن اللعبة مجمدة ولا تغيير فيها. مهما فعلت فصائل المعارضة المسلحة، الأسد باق ومنتصر. مهما كانت جرائم نظامه، لا أحد بالمنطقة والعالم.. مستعد للتعامل مع نظام آخر تقوده جماعات متطرفة. اعتاد المجتمع الدولي نظاماً تسبب في انهيار اقتصاد سوريا، وجعلها أكبر دولة إنتاجاً للمخدرات، وتخصص في تهريب مخدر الأمفيتامين (الكبتاجون) إلى الخارج، خاصة دول الخليج. أدارت الفرقة الرابعة بالجيش السورى بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار، التجارة، لكن قيادات الجيش والفصائل المتعاونة معه انخرطوا فيها بكل قوة، ومع ذلك لم يتم عقاب النظام خوفاً من البديل.
جاءت هجمات حماس على إسرائيل (طوفان الأقصى) في 7 أكتوبر 2023، لتغير المشهد الإقليمي بأكمله. العدوان الوحشي الإسرائيلي على حماس.. ثم حزب الله بعد ذلك، أصاب الحركة والحزب بالشلل، وكانت له ارتدادات قوية للغاية على إيران.. التي تقلص نفوذها بعد الضربات التي تلقاها حلفاؤها؛ خاصة حزب الله اللبناني. باتت طهران أمام خيارين كلاهما مُر.. إما الانكفاء على ذاتها، أو مواجهة أعدائها مباشرة بعد أن كان الحلفاء ينوبون عنها.
روسيا، التى اعتمد عليها نظام الأسد فى البقاء، ورّطها الغرب في أوكرانيا التي تتحول تدريجياً إلى أفغانستان جديدة بالنسبة لها.
عندما تحركت المعارضة المسلحة في 27 نوفمبر الماضي، كان النظام السوري قد فقد العكازين الأساسيين: روسيا وإيران، إضافة إلى حزب الله. خرجت الدولتان والحزب من اللعبة.. بداعي الإصابة، وإن اختلفت درجاتها.
كان هناك لاعب آخر متمرس – منذ زمن طويل – في اللعبة السورية.. هو تركيا؛ التي استضافت على أرضها 3 ملايين لاجئ سوري منذ 2013، وسكتت مرغمة.. على تدريب وتجهيز أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية الكردية المعادية لها، لكن أردوغان ظل يفكر.. كيف يستعيد قوة الدفع مجدداً، وانتهز انفضاض الحلفاء من حول بشار، ليسوِّي حساباً كاملاً معه، وليزيد من قوة أوراقه في أي مفاوضات مرتقبة مع إدارة ترامب.
تبقى إسرائيل.. التي باشرت فعلياً تغيير الوقائع على الأرض؛ من خلال إلغاء اتفاق فض الاشتباك مع سوريا (1974)، واستولت على المنطقة العازلة بين الجانبين. نتنياهو نسب لنفسه الفضل في سقوط الأسد، قائلاً إنه جاء بعد الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران وحزب الله. لكن إسرائيل لم تتدخل مباشرة في الصراع من منطلق: «عدو عدوي يقاتل عدوي، فلماذا أتدخل؟». طالما أن مصالحها غير مهددة بشكل مباشر، فإن منطق إسرائيل، البقاء بعيداً وترك المتصارعين يقضون على بعضهم البعض.
خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق شامير، رداً على سؤال عن الطرف الذي تنحاز له حكومته: «نتمنى النجاح لكلا الجانبين».
أمريكا – الراعي الأكبر – تركت اللاعبين الإقليميين يتنافسون ويتصارعون، طالما أن أهدافها.. المتمثلة في إخراج روسيا من اللعبة، وإحالة إيران للتقاعد، تتحقق.. دون أن تكلف نفسها أعباء المشاركة المباشرة.
أما اللاعبون العرب، فبعضهم لا يشارك من الأساس، والبعض الآخر على «الدكة»، لكنك ترى خبراءهم ومحلليهم في الاستوديوهات.. يقدمون أروع التحليلات!
نقلاً عن «المصري اليوم»