مودي حكيم..
في أيامي، كان المؤثر هو الأستاذ الذي علَّمني حرفاً، والأديب الذي استمتعت بقراءة أجمل عبارات يتحدى بها خياله، فهو مهندس النفس البشرية، فكان أستاذي في اللغة العربية الأديب خليفة التونسي. وفي الفن كان الفنان الكبير حسين بيكار، المؤثر في حياتي بإبداعه ومهارته وابتكاراته، وعندما لعبت كرة السلة في صغري، كان مايكل جوردن وفريق هارلم. لعب المؤثرون دوراً إيجابياً في حياتي، أثّروا على نظرتي للجوانب الشخصية والأكاديمية والاجتماعية.
اليوم أصبح المؤثرون أشخاصاً عاديين.. يخوضون تجارب حياتية وينقلونها – بالكلمة والصورة – تجارب.. بصدقها وقوتها وتفردها، تؤثر في نفوس الجمهور فيتبعونهم، وينتظرون دائماً الجديد منهم، ولم يعد العالم، والكاتب، والنجم السينمائي، والسياسي المشهور، ورجل الدين هم المؤثرين، ولكن مؤثرو هذا الزمان.. هم أصحاب الحُظوة، والسطوة، والهيمنة على وسائل التواصل الاجتماعي، هم صُناع المحتوى، المؤثرون الاجتماعيون الجدد.
… هم صغار المشاهير، الذين أضحى وجودهم مواكباً للحياة الحديثة، يقدمون آراء تحظى بانتشار واسع على منصات التواصل الاجتماعي ومحتويات تستقطب عدداً كبيراً من المتابعين في شتى المجالات، ومع انتشار الإنترنت والأجهزة المحمولة على نطاق واسع، والتقدم في التكنولوجيا الحديثة.. أصبحت الشبكات الاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لشريحة كبيرة من المجتمع، وقناة اتصال حيوية للمؤثرين.. تمكنهم من نشر المحتوى وإلهام وتشكيل تصورات المتابعين.
إنَّ 200 مليون – من أصل 4.7 مليار مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي – يرتزقون من صناعة المحتوى، التي قُدرت قيمتها عام 2022 بنحو 16.4 مليار دولار.. ولا تزال في نمو مستمر، مع توقعات بإيرادات ضخمة قد تصل إلى 143.10 مليار دولار في عام 2030.
قوة جديدة في العالم الافتراضي، تساهم في بناء غرس نوعية من المعرفة.. تشبع احتياجات معينة، وعلى إغراق جماهير بأنواع مختلفة من المضمون الترفيهى، مضمون يحمل الكثير من المخاطر؛ غارق بالتسلية، يؤثر في القدرة على الابتكار، والتعلم والتعليم ونشر المعرفة، وتحقيق التنمية والتقدم وزيادته.. تؤدي بشكل مباشر لتناقص الاهتمام بالمشاركة السياسية والشؤون العامة، ومناقشة القضايا الجادة، ومعه تنهار الديمقراطية وتتناقص قوة الدول.
إن هذا التسارع، ومعه الفوضى.. في بناء الأيقونات الرقمية، التي تتابعها الفئات العمرية على اختلافها، من شأنه أن يُمكِّن صناعة المحتوى – بما فيه الترفيهي – من إحداث تغيرات كبيرة في النظام الاجتماعي، خاصة أن المتلقي لمضمون هذا المحتوى.. لا يكتفي بمشاهدته فقط، وإنما يحاول تقليده.
إنَّ المؤثرين الجدد قوة.. يمكن أن تؤثر في بناء المستقبل. ومعه.. يجب مواجهة طوفان التسلية وسلبياتها، حتى لا نقع في بئر الظلمات، ببناء قوة إعلامية ومعرفية، وتجنيد نوعية جديدة من المؤثرين.. يقومون بنشر المعرفة وثقافة بناء المجتمع، لتقديم محتوى متميز.. يشبع احتياجات الجماهير للمتعة المعرفية والثقافية، ويساعدهم على القيام بدورهم المجتمعي والحضاري والإنساني.
إنَّ كليات الإعلام في جامعاتنا المصرية، يمكن أن تساهم في بناء وتقديم شبكة من المؤثرين.. يساهمون في بناء المستقبل، وقوة الدولة، وصورتها، ومكانتها العالمية.
نقلاً عن «المصري اليوم»
المؤثرون.. والسقوط في بئر ظلمات

شارك هذه المقالة