Times of Egypt

المؤامرة على سوريا

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

لا أعتقد أن ثمة مبالغة.. في القول إن نُذر مخاطر جسيمة تحيط بمستقبل سوريا، بل الأمة العربية بأسرها.. من جراء الحلقة الراهنة من حلقات الصراع الحالي في سوريا. ومع أني لم أكن أبداً من أنصار نظرية المؤامرة، لأن الدول – في تقديري – تتصارع لتحقيق مصالحها، وتضع الخطط اللازمة لذلك؛ وهو ما يطلق عليه البعض وصف المؤامرات، فإن وصف المؤامرة يمكن أن ينسحب فقط ..على تلك الخطط التي تنطوي على أبعاد سرية، تتناقض مع السياسات المعلنة. كما كان الحال في مؤامرة العدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي عام 1956، التي أُخفيت.. حتى عن الولايات المتحدة. 

تساورني الآن هواجس.. لا أملك أي أدلة موثوقة عليها، بأن ثمة مؤامرة كبرى قد حيكت لسوريا.. من قِبل قوى إقليمية وعالمية. وإن كان نطاقها لا يقتصر على سوريا، وإنما سوف يمتد لبلدان أخرى.. قد تكون – في البداية – مجاورة لها، ثم تشمل الشرق الأوسط كله؛ اتصالاً بأحلام نتنياهو المجهضة – بإذن الله – بشرق أوسط جديد، لا تُسمع فيه همسة معادية لإسرائيل، ولا لحليفها الأكبر. 

وإذا كنت قد ذكرت.. أنني لا أملك أدلة موثوقة على صحة هذه الهواجس، فإن ثمة مؤشرات تثير – على الأقل – تساؤلات بشأن وجودها.

وأول المؤشرات، هو عملية التمكين السلس السريع.. للقوى الحاكمة في سوريا الآن، من قِبل أطراف عالمية وإقليمية وعربية، كان معظمها يصنف هذه القوى قبل – وصولها للسلطة – كتنظيمات إرهابية. وطبعاً، يمكن تفسير هذه السلاسة والسرعة.. بالهشاشة الفائقة لنظام الأسد. لكن أحداً لم يبدُ مهتماً بطبيعة القوى الجديدة.. التي حلت محل الأسد في السيطرة على السلطة، ومدى قدرتها على بناء سوريا جديدة موحدة.. لجميع مواطنيها، بالنظر للأيديولوجيات المتطرفة، والممارسات السابقة لهذه القوى. 

وصحيح أن الخطاب السياسي للقيادة الجديدة في سوريا.. اتسم بنغمة تصالحية، لكن إجراءات بناء السلطة الجديدة.. شديدة المركزية، كانت بالغة الشكلية. والأهم، أن الممارسات الفعلية للفصائل المتعددة – التي كونت قاعدة القوة للنظام الجديد – لم تعكس في أي وقت من الأوقات.. الخطاب السياسي التصالحي للقيادة؛ فكان ما كان.. من أفعال مشينة، ومذابح تمت على أيديها.. في الساحل السوري أولاً، ثم في السويداء مؤخراً. وكلها أعمال موثقة بالصوت والصورة.. في شرائط شاهدها الجميع. 

والسؤال الذي أطرحه.. بكل صدق: هل حقيقة، كان صانعو القرار – في القوى العالمية والإقليمية، الذين مكَّنوا هذه الفصائل بأريحية تامة – يأملون خيراً.. في إمكان تغير سلوكها، وصلاح حالها؟ أم أنهم كانوا متأكدين.. من أن الطبع يغلب التطبع، وأن الهدف الحقيقي من تمكينها، ليس سوى أن تفعل ما فعلته؟ فتتفتت سوريا، ويعقبها غيرها من البلدان.. من أجل تحقيق أهداف معلنة، ومعروفة منذ عقود عديدة. صحيح أن البنية الديموغرافية السورية شديدة التنوع، وتحمل إرثاً من الخبرات السلبية.. في العلاقات بين مكوناتها، لكن التساؤل يبقى مهماً؛ لأن سوريا حافظت على وحدتها قبلاً.. في ظل ظروف صعبة، بحيث يحتاج من يُضمرون لها شراً.. لمثل هذا العمل، كي يتم الإجهاز على وحدتها تماماً.

أما ثاني المؤشرات؛ فيتصل بدور القوى الإقليمية.. في التمكين للوضع الحالي في سوريا. وقد كان لتركيا دور بالغ الأهمية في هذا الصدد، لما هو معروف بخصوص أهمية سوريا للأمن القومي التركي – على الأقل من منظور المسألة الكردية – وكذلك بعض الدعاوى التركية التاريخية.. المتعلقة بأراضٍ سورية. غير أنني أود التوقف عند إسرائيل – التي تفاخر وزير دفاعها علناً.. بدورها في إسقاط الأسد – وأتمنى إمعان النظر في دلالات موقفها؛ فإسرائيل – التي يتحاكى الجميع بتفوق أجهزة مخابراتها – كانت تعلم بكل تأكيد.. طبيعة القوى الجديدة البديلة للأسد، وقد كانت لها على أي حال علاقاتها الودية الثابتة.. مع «جبهة النصرة» – التي تشكلت «هيئة تحرير الشام» من اندماجها مع فصائل أخرى على شاكلتها – وكان جرحى النُصرة يُعالجون في المستشفيات الإسرائيلية، وتُسجَّل معهم المقابلات.. للإشادة بإسرائيل وإنسانيتها (شاهدتها بنفسي)، ومعروف أن قيادة هذه الفصائل – بعد النجاح في إسقاط الأسد – قد تبنت خطاباً لا لبس فيه.. يؤكد نواياها السلمية تجاه الجميع، وأنها أصلاً منهكة؛ على نحو لا يمنحها القدرة أصلاً لمعاداة أحد. 

ومع ذلك ــ أي رغم العلاقات الودية السابقة.. مع الفصائل الحاكمة الجديدة في دمشق، والخطاب السلمي الأكيد لقيادتها ــ فإن إسرائيل.. بمجرد وصولها للسلطة، ألغت اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، وأعطت لنفسها الحق في احتلال المنطقة العازلة – التي نصت عليها الاتفاقية – والموقع العسكري الاستراتيجي في جبل الشيخ، وتدمير القوة العسكرية السورية تدميراً شاملاً – ووأد أي وجود عسكري سوري في الجنوب، والتدخل غير مرة.. لحماية دروز سوريا؛ بدعوى ارتباطهم الوثيق بدروز إسرائيل. ووصل الأمر في أحداث السويداء الأخيرة.. إلى مهاجمة إسرائيل القوات السورية المتجهة للسويداء، وقصف مقر هيئة أركان الجيش السوري، وجانب من القصر الجمهوري.. وذريعة هذا كله، أنهم متطرفون.. تخشى على أمنها منهم، وتحمي الدروز من شرورهم. 

وهنا أُكرر السؤال.. بنفس الإلحاح: لقد كانت إسرائيل تعلم كل شيء عنهم، فلماذا تفاخرت بإسقاط الأسد وإحلالهم محله؟ 

أليست إحدى الإجابات المحتملة – وبالنسبة لي المرجَّحة – أنها تقصد أن تقوم هذه الفصائل بما قامت به، وتقوم به فعلاً.. من أجل تفتيت سوريا؟ ولقد ذكَّرنا الكاتب الفلسطيني نواف الزرو بمقولة جابوتنسكي في 1915 «إن المشهد الوحيد.. الذي يحمل أملاً لنا، هو تفتيت سوريا». وكذلك بتصريح بن غوريون «علينا أن نجهز أنفسنا للهجوم. إن هدفنا هو تحطيم لبنان وسوريا». فهل ثمة أدنى غرابة، في الافتراض بأن ما يجري في سوريا اليوم، ليس سوى مؤامرة كبرى.. أُعد لها جيداً، وشارك فيها بعضنا للأسف؟ بل إني لا أستبعد أن تكون الشرارة المباشرة لهذه الأحداث.. وكل ما يماثلها.. صناعة إسرائيلية، فهل ننتبه؟

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة