أحمد الجمال
دفعني خبر حلِّ حزب العمال الكردستاني.. نفسه، وتخليه عن العمل المسلح؛ إلى العودة للتجوال في المصادر والمراجع التي اهتمت بالأكراد.. أصلهم وتاريخهم، ومناطق انتشارهم، وسعيهم لتوحيد ما يعتبرونه الوطن الكردي.. الممزق في عدة دول؛ هي إيران والعراق وتركيا وسوريا.. ثم وجودهم في مصر، وأبرز العائلات والشخصيات.. التي تذكر المصادر أنها ذات أصول كردية. ووجدت مادة غزيرة. ثم تذكرت الزميلة الراحلة درية عوني، التي طالما جلسنا إليها – بصحبة زميلنا الكبير المرحوم الأستاذ مصطفى الحسيني، الكاتب الصحفي المعروف – وهي تتحدث عن جذورها الكردية، ونضالات الشعب الكردي. ثم استعدت أيضاً ما انغمس فيه كثير من المفكرين والمثقفين والسياسيين.. المنتمين للتيار القومي العربي؛ من مناقشات وندوات، وما أُلِّف من كتب.. حول مسألة الأقليات الدينية والطائفية والعرقية في الوطن العربي. بل إن مؤتمراً كبيراً حول تلك المسألة، عقده مركز ابن خلدون – برئاسة الراحل الدكتور سعد الدين إبراهيم – أثار أيامها «في الثمانينيات» ضجة كبيرة، شارك فيها كل المثقفين والسياسيين المصريين تقريباً.
وأول ملاحظة في أمر الأكراد.. هي الاختلاف بين المصادر في كتابة الاسم؛ إذ يُكتب «كوردستان» في بعضها، ويُكتب «كردستان» في بعضها الآخر. ومعلوم أن الكلمة من شقين «كورد» و«ستان»، والأخيرة تعني – في اللغة الفارسية – «مكان» أو «أرض»، وهي مشتقة من كلمة «شتانا» في اللغات الهندية الآرية. وحسب بعض المصادر على الشبكة العنكبوتية، فإن منطقة كردستان.. موطن الأكراد من عصور سحيقة، تمتد على شكل مثلث رأسه جبل أرارات شمال شرق الأناضول في تركيا، وضلعه الجنوبي الشرقي جبال زاجروس، أما ضلعه الثالث أي الشمال الغربي فهو جبال طوروس، وقاعدته هي التخوم الشرقية للعراق – أو بلاد ما بين النهرين – وتبلغ مساحتها نحو مائتي ألف ميل مربع.
أما «حزب العمال الكردستاني».. فقد تأسس عام 1978 – بقيادة عبدالله أوجلان – ويُعرف الحزب بأنه يساري متطرف، ويُختصر اسمه بالحروف اللاتينية «PKK» لأن اسمه بالكردية هو «پارتي كركاراني كوردستان»، ويتبنى التوجه الماركسي اللينيني، وأهم أهدافه الجوهرية المعلنة.. هو إقامة دولة كردستان الكبرى المستقلة. ثم تراجع لاحقاً عن مطلب الاستقلال، وصار يدعو إلى حصول الأكراد على الحكم الذاتي في تركيا. وقد بدأ نشاطه العسكري المسلح عام 1984، ودخل في صدامات دموية مع الجيش التركي..
وفي 1999، اعتُقل زعيمه عبدالله أوجلان، وحوكم في تركيا بتهمة الخيانة العظمى، وبقي في السجن حتى الآن. ورغم سجنه، فإنه يصدر التوجيهات.. وآخرها حل الحزب؛ بناءً على أن نضالاته المسلحة.. عبر أربعين سنة، لم تحقق النتيجة المرجوة، وشهدت تكراراً مفرطاً بين الحزب وبين تركيا.. وأن الكرد – في تركيا – أصبحوا ممثلين في البرلمان التركي.. بأعداد كبيرة، وأن الظروف تغيرت في تركيا وأيضاً في العالم؛ حيث أصبحت منظومة التحرر الوطني في المنطقة – وفي بقية العالم – ضعيفة؛ مما يحتم التحول من العمل المسلح.. إلى العمل السلمي، والاستمرار في المطالبة بدستور أكثر ديمقراطية في تركيا؛ حيث إن الشعب الكردي أسهم في تأسيس الجمهورية التركية، ولأن الواقع يكشف أن أصدقاء الكرد أقل مما ينبغي.
ثم إن توقيت حل حزب العمال الكردستاني – في تركيا – قد يكون مرتبطاً بالتحولات الدراماتيكية.. في سوريا وفي فلسطين وبقية المنطقة؛ إذ يتجدد الدور الأمريكي بفاعلية مختلفة.. عن فترة الإدارة الديمقراطية. وربما ينعكس قرار الحل.. على أحزاب كردية أخرى؛ مثل «حزب الحياة الحرة الكردستاني» في إيران، و«حزب الاتحاد الديمقراطي» في كردستان السورية، و«حزب الحل الديمقراطي الكردستاني» في كردستان العراق… وربما ينعكس الأمر أيضاً على مجمل مسار المسألة الكردية في المنطقة، وعلى ما يمكن أن نسميه «الحلم الكردي».. بوطن كردستاني موحد. ولأن المجال ضيق؟؟ فلن أُسهب في الحديث عن أصل الأكراد، وهل هم عرب؟ أم فيهم قبائل ذات أصول عربية؟ أم هم جميعاً من أصول هندو-أوروبية؟ أو آرية؟ وكل ذلك وارد، وله تأصيل في المراجع المعنية.
أما الوجود الكردي في مصر.. فهو مجرد اصطلاح تاريخي، لأن الكل في مصر.. مواطنون أصلاء – وإن اختلفت الجذور الإثنية – لأن مصر – عبر التاريخ، وما قبل التاريخ – ظلت (وستظل) بوتقة.. انصهرت فيها السبيكة المصرية، أو تشكلت فيها الضفيرة المصرية الخالدة.
ويعود البعض بالوجود الكردي في مصر.. إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة المصرية القديمة، واستمر ذلك عبر الحقب التاريخية – القديمة والوسيطة والحديثة – وتقول بعض المراجع.. إن من الأسر ذات الأصل الكردي.. أسراً عريقة؛ مثل العائلة التيمورية، وعائلة بدرخان، وعائلات الأورفللي، وظاظا، والكردي، ووانلي، وعوني، وخورشيد، وأغا. وتقول المراجع.. إن «البدرخانيين» هم أحفاد أمير بوتان الكردي.. بدرخان باشا.
ومن الأعلام المصريين – ذوي الأصول الكردية – تبرز أسماء أمير الشعراء أحمد شوقي، والأدباء أحمد تيمور، ومحمود تيمور، وعائشة التيمورية. والإمام محمد عبده، والمخرج أحمد بدرخان، وابنه علي بدرخان، والأستاذ عباس العقاد، والمفكر أحمد أمين، والدكتور حسن ظاظا، والفنان أحمد رمزي، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والباحث والمترجم محمد علي عوني، وابنته الصحفية درية عوني.. ناهيك عن الأسرة الأيوبية، ومؤسسها صلاح الدين.
وقد استقيت بعض هذه المادة.. من بحث منشور على الإنترنت، كتبته الباحثة رضوى الأسود، ومن موقع آخر، هو «مدارات كرد».. الثقافي المستقل للدراسات والترجمة.
نقلاً عن «الأهرام«