عبدالله عبدالسلام
النور – في التراث الديني – رمز أبدي.. للإيمان والتقوى. وهو يقود إلى طريق الحق والصواب. بينما الظلام، يمثل الضلال والجهل، والابتعاد عن الخالق. وفي الحياة عامة.. النور هو الصدق والوضوح، والأمل والخير. أما الظلام، فهو المعادل للغموض والكذب، والضياع والشر.
تعلمنا أن الكذب يحدث في الظلام. عندما تكون الحقائق والمعلومات مخفية، أو يصعب الوصول إليها، فيزدهر الكذب والشائعات، والمعلومات المضللة. لكن في عالمنا الحالي، توجد مفارقة كبرى. المعلومات – على الأغلب – متاحة بما يفوق طاقة البشر على استيعابها. موجودة صوتاً وصورة وكلمات. ومع ذلك، يعيش الكذب أكثر أيامه رواجاً ونفوذاً. النور موجود، لكنه لم يمنع تفشي الكذب بصورة غير مسبوقة.
يُدلي الرئيس الأمريكي بتصريح معين، يتعهد فيه بعمل ما.. خلال مدة محددة. تُذيع التصريح وتنشره وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. بعد انتهاء المدة، يسأله الصحفيون عما تم، فيرد مبتسماً: «هل قلت ذلك؟ لا أتذكر».
يحاول ترامب «فلسفة» الأمور. يريد إقناع العالم.. أن هناك حقائق أخرى، غير تلك التي تعارفنا عليها. ورغم أن ما ينطق به من أرقام ومعلومات ووقائع.. يكون مخالفاً للحقيقة، إلا أنه يشكك في تلك الحقيقة، ويصر على أن هناك حقائق أخرى، وأن ما يقوله خصومه والإعلام والصحافة.. يقع تحت عنوان الحقائق المضللة. وهو مصطلح يعكس حالة من التشويش، والارتباك.. في فهم الحقائق، ويجعل من الصعب على الناس.. التمييز بين الحقيقة والوهم.
سياسيون آخرون.. يبالغون في الوعود غير القابلة للتحقق، ولا يدركون أن تصريحاتهم وكلامهم وتعهداتهم.. مسجلة صوتاً وصورة، ويمكن استدعاؤها في أي وقت، لكنهم لا يبالون بذلك ويواصلون الكذب.
كل ذلك يحدث، والنور يغمر عالمنا. كم المعلومات والأرقام والأحداث – التي يتلقاها الفرد العادي – لا مثيل لها. وفي زحمة هذا كله، يتعرض لأكاذيب لا نهاية لها؛ غالبها من مسؤولين وأشخاص.. يدركون أنهم يكذبون، لكنهم يستمرون في ترديد الكذب، حتى يصدقهم الناس.
هناك من يستدعي وقائع معينة.. جرى نشرها قبل شهور وربما سنوات، ثم يعيد بثها على السوشيال ميديا.. على أنها حقائق صحيحة، دون أن يكترث بأنه تم نفيها في السابق. المفارقة أن هناك من يتفاعلون معها، ويصدقها.. رغم ذلك.
هل النور الطاغي – الذي نعيش فيه – أفادنا في شيء؟ ألم يحن الوقت لإعادة تعريف ماهية وطبيعة النور والظلام في عالمنا؟ ألا يجب أن نبتعد عن التعريف المادي.. المتعلق بأن النور يأتي من خارجنا، أي أن الكهرباء والتكنولوجيا ووسائل الإعلام.. هي التي تضيء لنا الطريق؟
عالمنا تحول إلى نهار دائم، لا تغيب الشمس عنه أبداً، لكن النور الذي بداخلنا؛ وهو الإيمان بالصدق والحق والخير.. خافت، لا يستطيع أن يدلنا على الحقيقة.
إنسان اليوم، لديه معلومات ومعرفة.. تتفوق – مئات المرات – على ما كان لدى أسلافه، لكنه يفتقد الحقيقة، التي كانت تظهر في النور الحقيقي.
مساحات الظلام في حياتنا.. زادت واتسعت. تشعر بأن النور الذي نعيشه.. لا يختلف عن الظلام في شيء. ماذا لو عكفت مؤسسة بحثية.. على دراسة: كم أضافت التكنولوجيا المتقدمة إلى الحقيقة، وكم خصمت؟
نقلاً عن «المصري اليوم»