أمينة خيري
اسمحوا لى أن أعيد نشر المقال الذي نشر في هذه المساحة في شهر ديسمبر عام 2023. هذا ما كتبت، وهذا ما آلت إليه أوضاع «القضية».
لست متخصصة في الحروب و«فنونها».. المتراوحة بين سفك الدماء، وتشريد السكان، وهدم البيوت على رؤوس سكانها. أقرأ نصوص القوانين الدولية للحروب والأسر، وقواعد القتل.. المقبولة، في مقابل الأخرى غير المقبولة، وأطر التهجير في حدود القوانين؛ أفهم الكلمات التي أطالعها.. لكن لا أفهم ماهية وضع قواعد للقتل.
أتابع حرب القطاع منذ يومها الأول، وقبلها الحلقات السابقة؛ من صاروخ ينطلق من «هنا»، فيصيب نفرا أو نفرين «هناك». فيرد «هناك» بدك شبه كامل للمدن.. التي يٌعتقد أن الصاروخ انطلق منها، فيموت الآلاف ويتشرد آلاف غيرهم، ويعاني من تبقى من سكان.. من «تروما» حرب لا تموت بموتهم. وأسمع وأقرأ وأكتب ما يصرح به كبار رجال الكوكب.. في ضوء ما يجري في غزة؛ من «معدلات القتل المعقولة»، و«الأضرار التبعية أو الجانبية» المتوقعة في الحروب Collateral damage، ومفاوضات وقف إطلاق النار – أياماً أو أسابيع – ثم إطلاق صافرة الانطلاق مجدداً، ومعها استغاثات ونداءات المؤسسات الأممية.. لإدخال طعام وشراب ودواء، لاستخدام من يحالفه الحظ.. ويبقى على قيد الحياة.
نقارن تكاليف، وفوائد الخيارات المختلفة.. لاتخاذ القرار المستنير بأقل خسائر، وأكبر فوائد ممكنة.
المقارنة مخزية؛ حيث النفس البشرية لا يجب وضعها في مصاف المال والاستثمارات، لكنها الطريقة الوحيدة.. التي يمكنها عقلنة ما يجري في حرب القطاع، إلى حد ما. أعلم تماماً وجهة نظر البعض عن «ثمن» القضية، في مقابل الخسائر.. من قتلى ومصابين ومشردين ونازحين، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي تهرع دول عديدة – «كثر خيرها» – إلى دفع مليارات الدولارات.. لإعادة إعمار ما تهشم، لحين موعد الدك المقبل.
لكن لا يسعني سوى التفكير في رغبات وأولويات «مكونات» القضية، ألا وهم أهل غزة من المدنيين.
يلوِّح البعض منهم بعلامات النصر.. وهم قابعون في أفنية مدارس «أونروا»، التي يجري دكها هي الأخرى، وعلى أبواب المستشفيات التي تحولت إلى ساحات معارك.. بين أشاوس المقاومة وجيش الاحتلال؛ فهم لا يملكون سوى إصبعي النصر. وأعلم تماماً أن الصغار – في المخيمات وأماكن النزوح – يسعدون ويضحكون من قلبهم.. حين يتوجه لهم «المهرج» و«الساحر»، وغيرهما من المتبرعين بالوقت والجهد.. للترفيه عنهم في هذه الظروف حالكة السواد.
كما أسمع وأشاهد النساء والرجال.. الذين يصيحون في وجه كاميرات الإعلام إنهم «مرابطون صامدون مستمرون». لكن هناك بينهم.. من لا نسمعه، ربما يكون لديه رأي مغاير، أو حساب.. لا يتطابق بالضرورة مع حسابات «ثمن» القضية. فقط أقول.. ربما.
المؤكد أن حسابات القضية.. لديها أوجه عدة، وليس وجهاً واحداً.. يقرره من يقدم لنا الصورة.. التي يعتبرها «مثالية». قتلى غزة يفوقون 20 ألفاً، والعداد يعد.
(ملحوظة: العداد حالياً تعدى حاجز الـ50 ألفاً، وما زال يعد).
نقلاً عن «المصري اليوم»