Times of Egypt

العيون في وسط الرؤوس

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

كل لحظة في زمن إقليمنا المشتعل، تؤكد بديهية الارتباط العضوي الوثيق.. بين الأوضاع الداخلية في كل دولة، وبين الأوضاع الخارجية في محيطها المباشر، أو الدوائر الأبعد.

ولذلك أتذكر العبارة الخالدة.. في حياة الأجيال المتعاقبة، عندما كان الأهل يشددون على «خلي عينك في وسط راسك»، ليبدو الأمر وكأن المطلوب عين ثالثة.. تتوسط الموجودتين. 

كانوا ومازالوا، ونحن من بعدهم نقولها.. في كل الأحوال التي يُستشعر فيها الخطر؛ ابتداءً من الإمساك بيد طفل في الشارع حتى لا يفلت، وليس انتهاء بأعظم خطر يصادف الأمة.

ومن اللحظة – التي بدت فيها الإشارة إلى تفكك النظام السوري – ازداد تركيزي.. وكأنني أصبحت بعشرات العيون، وأنا أتابع انقضاض الدولة الصهيونية على الوطن السوري، لتفعل فيه ما لم تكن تحلم به الصهيونية.. منذ تأسيسها حتى الآن. وأظن أن الأمر لا يحتاج إلى براهين، إذا قلنا إن العدو الصهيوني لا يحترم قرارات ولا اتفاقيات ولا معاهدات ولا صداقات؛ إذا حانت له لحظة انقضاض.. ليتقدم ولو سنتيمتراً واحداً في طريق دولة يهودا، الممتدة في المنطقة، والمتجاوزة للكلام الصهيوني القديم، كلام «من الفرات إلى النيل»!

والأمر الآخر، الذي لا يحتاج إلى تأكيد أو تذكير.. هو أن أمن مصر- كما قرره أجدادنا المصريون القدماء – يمتد من منابع دجلة والفرات، أي المياه المعكوسة شمالاً، إلى قرن الأرض، أي القرن الأفريقي جنوباً.

ولذلك فإنني أعتقد أن عيوننا كلها – ومنها الإضافية التي في وسط رؤوسنا – يجب أن تتركز على ضبط واتزان العلاقة بين أوضاعنا الداخلية، وبين الأوضاع الخارجية المحيطة بنا؛ وهو مالم أملّ من الكتابة فيه وعنه، أي العلاقة بين النهر وبين البحر؛ إذ لا بديل ولا مناص – كما يقولون – عن أن نتماسك من حول النهر.. وبامتدادات الشرق والغرب، لنتوازن، ومن ثم نقوى، وبالتالي يحصّن جهاز مناعتنا الوطني، ليستعصي الجسد الوطني على أي ميكروبات وجراثيم وفطريات وفيروسات خارجية، تحاول أن تقضي عليه.

وإذا كان التماسك الذي ننشده.. ثبت أنه يقوم على تحقق الأمن والعدل بمفهومهما الشامل؛ فإن التوازن والقوة.. القائمين على التماسك، لهما أسس أخرى؛ هي أن نسعى سياسياً وثقافياً.. إلى أن يكون التعدد والتنوع مصدر قوة ومنعة لمجتمعنا، لأننا عرفنا – منذ يناير 2011 – أن أطرافاً بعينها في الإقليم والعالم، أرادت لنا التفتيت الديني والمذهبي والطائفي والأيديولوجي، وأرادت التفكيك الجهوي والمناطقي والاجتماعي، لنقتتل.. ونجهز بأيدينا على وجودنا الوطني والحضاري. والحمد لله أن مصر نجحت.. بتضافر قواها الحية، في التصدي لتلك المؤامرة. ويبقى أمر يجب أن نناقشه، وهو كيف نواجه التفتيت السياسي الحزبي؟

وربما تبدأ الإجابة، بحتمية التقاء القوى والتيارات السياسية.. المتقاربة في تصوراتها النظرية، وبرامجها العملية.. في تكوينات ائتلافية أو جبهوية، تخفف من وطأة التشظي والقزمية الحزبية، وتنهي – ولو على مراحل – عدم الفاعلية في الشارع السياسي. وعلى سبيل المثال، لماذا لا تلتقي الأحزاب التي تمثل الطيف الممتد من يسار الوسط إلى يسار اليسار – من ماركسيين وقوميين وناصريين، وغيرهم من الرافعين لراية الاشتراكية، أو البعد الاجتماعي – في جبهة أو ائتلاف وطني واحد، يعترف بالخلافات الثانوية حول بعض الأهداف، وبالتوافق والوحدة البرنامجية على نقاط محددة.. وكذلك الحال بالنسبة لمن يمكن أن يصنفوا وسطاً أو يمين الوسط أو يمين اليمين؟!

ولا أريد أن أستطرد.. بالإشارة إلى ماهو قائم في المجتمع الصهيوني؛ الذي مهما يكن الاختلاف بين قواه السياسية، فالكل مجمع على هدف واحد، هو «إسرائيل القوية المتفوقة على جيرانها مجتمعين»!

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة