Times of Egypt

العمليات السرية بين إيران وإسرائيل

M.Adam
خالد عكاشة

خالد عكاشة

اعتُبر برنامج إيران للأبحاث النووية (AMAD) – منذ 2002 – المسؤول الرئيسي عن تطوير التقنيات الخاصة بالوصول بالمشروع النووي الإيراني.. إلى مستوى إنتاج رؤوس نووية؛ بحسب تقرير نشره «معهد العلوم والأمن الدولي» الأمريكي. التقرير كشف النقاب حينها.. عن أن النظام الإيراني بصدد الحصول على إمكانات القابليات المعدنية لليورانيوم، وهناك بعض الوثائق – ذات الصلة بتلك النشاطات – وردت في أبحاث قامت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أهم ما جاء بالتقرير – ومثَّل كشفاً مبكراً – أن طهران في 2002 بدأت تنفيذ ما سُمي بـ«مشروع بروجردي».. لإنتاج قطع اليورانيوم المعدني.. المستخدمة في الأسلحة النووية، وهذا يجري في مجموعة تصنيع أرضية وأنفاق، تقع في موقع «بارتشين».

اشتمل المشروع على 12 ورشة تحت الأرض، من أجل إنتاج مختلف الأقسام للسلاح النووي في الأنفاق الأرضية. وبموجب التقرير الأمريكي، بدأ المشروع في 2002 بقيادة «سيد شمس الدين بوربورودي» – ممثل معهد العلوم والتحقيقات الدفاعية لوزارة الدفاع الإيرانية – و«أمير حاجي زادة» – من أركان القوات الجوية لقوات الحرس الثوري – الذي تولى قيادة القوات الجوية للحرس لاحقاً. 

كان هناك تخطيط إيراني أن تقوم في 2003.. بإجراء ما يسمى بـ«الاختبار البارد»، وهو عبارة عن استخدام سلاح نووي محاكي.. يزوَّد باليورانيوم الطبيعي أو المستنفد، بدلاً من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة. هذه الخطوة لم تتحقق؛ ربما بسبب خشية النظام الإيراني من غزو الولايات المتحدة للعراق، وتأكدها أن تقييمات استخباراتية إسرائيلية وصلت واشنطن حينها، تحمل تلك التفاصيل السالفة، بمواقعها الجغرافية ومستويات وصولها التقنية.

هذا الأمر دفع طهران إلى إغلاق برنامج AMAD في 2003، خشية تعرضها لهجوم عسكري أمريكي.. كان في هذا التاريخ على مقربة من الأراضي العراقية، وكان يهم طهران حينها الظهور بمظهر المتعاون.. الذي يمكنه تقديم خدمات سرية ثمينة، لتقويض النظام البعثي، والإطاحة بصدام حسين والجيش العراقي. المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية الأحدث، أفادت بأن إيران لم تتخلَّ عن مخططها، وأنها قامت بنقل ما كان يجري في برنامج AMAD، ليُستكمل ويتطور تحت إشراف «منظمة الابتكار والبحث الدفاعي» – المعروفة اختصاراً بالإسم المختصر SPND، تحت غطاء النشاط في مجالات علمية مدنية؛ مثل لقاحات كوفيد-19، وتكنولوجيا الليزر. 

تقرير مهم نشرته «الإيكونومست»، أشار إلى أن ملفات الاستخبارات الإسرائيلية كشفت عن أنه.. قبل 6 سنوات، شكَّل العلماء الإيرانيون ما سُمي بـ«مجموعة التقدم الخاصة» – تحت رعاية «محسن فخري زادة»، المدير السابق لبرنامج AMAD – مهمة هذه المجموعة تمهيد الطريق لعملية تسليح.. أسرع بكثير مما كان مخططاً له، في حال اتخذ المرشد الأعلى خامنئي قراراً بإنتاج القنبلة النووية. وشكَّلت تلك المعلومات الحيثيات المؤكدة لأهمية وحتمية اغتيال إسرائيل فخري زادة 2020؛ في عملية وصفت في إسرائيل بأنها ذروة مشروع جهاز «الموساد» الإسرائيلي.. لتدمير البرنامج النووي الإيراني.

التنفيذ كان استثنائياً؛ فلأول مرة يجري إطلاق نار دقيق للغاية.. بواسطة «رشاش روبوتي» يتم التحكم فيه عن بُعد، وتفجير غامض.. تلاه عملية هروب، غادر من خلالها الفريق التابع لوحدة الاغتيالات «كيدون» بسرعة وسرية.. تماماً كما دخل الأراضي الإيرانية، متفوقاً بذلك على قوات الحرس الثوري، التي كانت تتولى مهمة حماية محسن فخري زادة، وردت على الأصوات التي انتقدت هذه الخسارة الفادحة حينها، بأن عناصر التأمين والحماية التابعة للحرس.. رفعت تقريراً سابقاً على العملية، تحذر من مخطط غامض يستهدف حياة العالم النووي، لكن البيروقراطية الإيرانية لم تأخذه حينئذ على محمل الجد، وبالتالي لم يُتّخذ ما يلزم لمواجهته!

كان لدى إسرائيل تقدير استخباراتي مؤكد – قبل المُضي في التخطيط النهائي لمهاجمة إيران في 13 يونيو الحالي – أن «مجموعة التقدم الخاصة» كثفت أبحاثها نهاية 2024، من أجل الوصول بأسرع وقت لامتلاك قنبلة نووية. وأن هذه المجموعة طلبت عقد اجتماع بين العلماء وقادة سلاح الجو التابع للحرس الثوري، والمسؤولين عن إنتاج وتشغيل الصواريخ الباليستية. اعتُبر الاجتماع – بحسب التقدير الاستخباراتي الإسرائيلي – بمثابة «نقطة تحول»؛ حيثياته تتناول حوافز إيران للتقدم نحو امتلاك القنبلة النووية.. التي تحقق التوازن، للتأثير المحدود الذي تكشف للهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل أكتوبر 2024، وترمم الشروخ العميقة التي أصابت منظومة الدفاع والردع المتقدم.. المتمثل في الحلفاء سوريا وحزب الله وحركة حماس. لكن يبقى الأهم في هذا الاجتماع، أنه سيقوم بإعلام العسكريين بالسر للمرة الأولى؛ أن التخطيط لعملية «مواءمة» جهاز ومكون نووي.. مع رأس حربي صاروخي، على وشك البدء.

هذه المعلومات حول الاجتماع الإيراني – وإن ظلت في خانة «المزاعم» الإسرائيلية – قامت بتغذيتها إلى مجمع الاستخبارات الأمريكي، ومنه إلى الدول الحليفة، وجميعها لديها وجهات نظر حول التهديد الإيراني.. تستند إلى مصادرها الخاصة وتقديرها الاستخباري، فضلاً عما يرد إليها من الوكالة الدولية للطاقة النووية.

كان لافتاً، أن تقرير «الإيكونومست» وصف «تولسي جابارد» – مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية – بـ «المعارضة الشرسة للحرب مع إيران»، وأكد انحيازها للرأي القائل.. إن إيران لا تصنع سلاحاً نووياً. ومسؤول بهذا المستوى لا يتحدث إلا وفق عدة تقارير موثقة، تؤكد له هذا المعنى والتقدير. الرئيس ترامب هاجم تقديرات جابارد علناً في 17 يونيو، واصفاً ذلك بقوله «لا يهمني ما قالته»؛ مما يكشف تأثره إلى حد كبير بالتقدير الإسرائيلي، وتتماهى معه عديد الأصوات الأمريكية في أركان الإدارة، ومستشاري وكالات الأمن والاستخبارات.. الذين يؤكدون «قابلية» الدفوع الإسرائيلية، للاستهلاك من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية.

فلدى العديد من هذه الأجهزة ما هو أقرب لما ذهبت إليه الوكالة الدولية؛ بأن هناك جزءاً غامضاً و«خفياً» في الأنشطة النووية الإيرانية في ثلاثة مواقع على الأقل. وقد ورد هذا في التقرير الأخير والأحدث للوكالة، ومن ثم تنتقل المعضلة الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية.. من قضية «التخصيب» إلى مدى «التسريع» الإيراني، هذه تلزمها إجابات معلوماتية مؤكدة – أو مرجحة – على أقل تقدير، حول العتبة التي وصل عندها الآن المشروع الإيراني. وفي المقابل.. تظل المهمة الاستخباراتية الإيرانية، هي التحكم، وتأمين المدى الزمني الذي يحتاجه لعبورها.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة