وجيه وهبة
قبل يومين، حلت ذكرى مرور 12 عاماً على «ثورة 30 يونيو».
ذلك اليوم الذي هبَّ فيه الملايين من المصريين، للتظاهر السلمي في الشوارع والميادين، في جميع أنحاء البلاد، ليعلنوا في إصرار ووضوح.. عن رفضهم لحكم «الإخوان المسلمين» وحلفائهم. كانت كل فئات المجتمع المصري.. ممثلة – على نطاق واسع – في تلك «الهبة»، كل الفئات العمرية الرشيدة.. الصغير والكبير، وكل الفئات الاجتماعية.. الغني والفقير، المتعلم والأمي، وكل الألوان والانتماءات السياسية.. اليمين واليسار. بكل أطيافهم، وقف الجميع جنباً إلى جنب في الميدان، كان الرفض كاسحاً لحكم «الدولة الدينية»، وذلك بعد أن تراكم الغضب، وفاض الكيل.. من أفعال الإخوان وحلفائهم. لقد كنت في الميدان وشاهدت هذا التلاحم المهيب، هذا الموزاييك المتناغم من ملايين من الناس – المحتشدة مثلي.. تلقائياً – وأيضاً الجماهير المحشودة تنظيمياً، ولا ضرر ولا ضرار؛ في هذا المقام، الجميع خلف هدف واحد.. إسقاط حكم الإخوان. وقد كان.
في ذلك اليوم المشهود، كان قد مضى نحو العام.. على استيلاء «الإخوان المسلمين» على السلطة، وذلك باعتلاء دمية مكتب الإرشاد؛ «مرسي» الغلبان.. كرسي رئاسة الجمهورية، وذلك عبر عملية انتخابية و«صناديق مشمومة».. أو «تشوبها الريبة» ـ في أحوط الأوصاف ـ وتطرح أسئلة وتساؤلات عن تواطؤ أو ـ إذا ترفقنا في الوصف ـ عن غفلة ما.. هنا أو هناك. وسنتجاوز عن الخوض في تفاصيل ذلك، ونقفز إلى ما تلا بيان اللجنة العليا للانتخابات ـ الغريب ـ الذي أعلن عن فوز «مرسي» بالرئاسة. إذ سرعان ما بدأ الإخوان في استعراض العضلات، وتنفيذ سياسة «التمكين».. والإمعان فيها؛ أي «أخونة» المواقع القيادية.. في كل مفاصل أجهزة الدولة، بالإضافة لحصة لحلفائهم من مختلف تيارات الإسلام السلطوي المتسلط. ومع مرور الأيام، بدأت سوءات «الإخوان» تتبدى جلية.. لمن لا يعرف تاريخهم، وللكثيرين من السذج الغافلين.. من السياسيين والنشطاء، الذين ظاهروهم، (بالإضافة لبعض من الانتهازيين، رجال كل العصور)، ممن تأملوا منهم خيراً أو صلاحاً.
فور اعتلاء «الإخوان» هرم السلطة في «مصر»، أسفروا عن وجههم الحقيقي الغليظ المتسلط.. بلا «تَقِية»؛ اختفت ابتساماتهم المصطنعة، ولغتهم الناعمة المخاتلة. ومع تصاعد وتيرة خشونتهم وعنفهم.. مع من ليس من «عشيرتهم».. حتى ولو كان من شركائهم في «الثورة»، التي أتت بهم ورفعتهم إلى سدة الحكم. فتصاعدت وتيرة الاحتجاج عليهم.. من مختلف التيارات المدنية. وحينما بلغ السيل الزبى، طالب البعض من السياسيين.. بإجراء انتخابات مبكرة.. تحاشياً لأي عواقب وخيمة، لكن «الإخوان» رفضوا، وتمسكوا بالسلطة بعناد شديد، وكأنهم – كما يُقال، وبدون تحقير من شأن ذواتهم، فنحن نشبه أحوال السلطة وليس ذوات الأشخاص – نقول وكأنهم.. «كلبٌ ومسك عظمه»، فمن ذا الذي يستطيع ـ بغير إرادة شعب يحققها جيشه – أن ينتزع عظمه من بين فكي كلب، حتى ولو كان كلب زينة.. «لولو»؟
ولقد بلغ تبجح وصفاقة «الإخوان» ذروته، حينما قاموا – في أواخر أيامهم – بتعيين حليف لهم من «الجماعة الإسلامية».. محافظاً للأقصر؛ أشهر أقدم مقصد سياحي في العالم، كمتحف مفتوح، وكانت مهزلة، فقد كان هذا «المحافظ»، متهما بالاشتراك في جريمة إرهابية مروعة، اهتز لها العالم عام 1997، حين قتلت جماعته 58 من السائحين في معبد «الدير البحري» بالأقصر.. المحافظة التي عينوه محافظاً لها! وقامت الدنيا ولم تقعد في الصحف العالمية، محتجة على تعيين إرهابي.. يداه ملوثة بدماء زوار «الأقصر»، محافظاً للأقصر!
الحديث يطول، لو استطردنا في سرد مهازل الإخوان المسلمين وحلفائهم، خلال العام الذي حكموا فيه «مصر». وقائع ومآس ومهازل عديدة، لا يجب أن تُنسى، ما زال معظم شهودها وأبطالها.. على قيد الحياة، وإن لم يكونوا جميعاً على قيد الوعي، ويقظة الضمير.
ربما من أهم دروس «30 يونيو» – التي لا يجب أن نغفل عنها، وما زالت حية بيننا، بما يُبث صوتاً وصورة وكتابة – تلك الكائنات الحربائية التي تغير ألوانها، وتنقل بسلاسة «فؤادها».. بين مختلف الحكام، «حيث شاءت»، وما حبها إلا «للحبيب الأول.. والأخير».. «المال».
… بعضهم ركب مركبة «مبارك»، وقفز منها.. حينما لاحت نهاية حكمه في الأفق، و«اتشعبط» في ركاب «هبة 25 يناير».. حينما علت موجتها، و«نط» في قارب «الإخوان».. حينما رجحت كفتهم، وقفز من مركب «الإخوان».. قبل غرقها بأيام. وما زال في يومنا هذا – وبلا أدنى حياء – يتولى ـ أو يُولَّى ـ مناصب مهمة، ويعتلي منابر، ولا عزاء للأوفياء لثورة مغدورة.
لقد قامت «ثورة 30 يونيو» – أولاً وقبل كل شيء – لتحقيق هدف رئيسي.. هو إسقاط الدولة الدينية؛ ممثلة في حكم «الإخوان المسلمين». لم تقم الثورة من أجل أن يحل حكم ديني.. محل حكم ديني آخر. لم تقم الثورة.. لتحكم «جماعة سلفية» أو «جماعة أزهرية»، بدلاً من «جماعة إخوانية». الثورة قامت.. لتقول لا للدولة الدينية بكل صورها، ملتحية كانت أم حليقة، سافرة أم مستترة، «إخوانية» أم «سلفية» أم «أزهرية» (والفصل بين ثلاثتهم، فصل إجرائي).
واليوم – وبعد مرور 12 عاماً على هذه الثورة النبيلة – لنا أن نتساءل: ترى هل حققت الثورة هدفها، الرئيسي؟ أم أنها قطعت مجرد رأس من رؤوس شجرة الدولة الدينية؟ وتركت جذورها تتمدد وتتشعب وتتعمق وتتعملق تحت السطح، في انتظار «ربيع» آخر، أشد قسوة؟
نقلاً عن «المصري اليوم»