زياد بهاء الدين
السياسة الضريبية هي قلب الإدارة الاقتصادية.
كل ما نتحدث عنه في شؤون الاقتصاد.. له أساس ضريبي؛تحفيز الاستثمار، العدالة الاجتماعية، العدالة الجغرافية، التنمية الاقتصادية، التنمية الاجتماعية، الصحة، التعليم، الفن والثقافة. كل هذه القضايا الكبرى، تجد تعبيرها العملي.. في السياسة الضريبية للبلد وما تعبر عنه من اختيارات وانحيازات، واعية أو ضمنية.
وسأضرب مثالين على ذلك. الأول: في الاستثمار.. إذ أنه مهما كان حماس الدولة، ورغبتها في زيادة الاستثمار، فإن الواقع الضريبي – وما إذا كان مشجعاً للإنتاج والتشغيل والمخاطرة، أم معاقباً لها – هو الذي يجعل المناخ مرحباً بالمستثمرين، أو طارداً لهم. والمثال الثاني: يتعلق بقضية أشد صعوبة.. وهي العدالة الاجتماعية، حيث لا يكفي الاعتماد على زيادة الإنفاق الاجتماعي.. لتضييق الفجوة الكبيرة في المجتمع، لأن الدعم والمنح والمعونات تستهدف الحد من آثار الفقر، ولكنها لا تمنح فرصة الخروج منه، بل يجب أن تصاحبها سياسة ضريبية، وسياسة إنفاق عام.. تسعيان لتحقيق الحراك الاجتماعي المطلوب.
لهذا، فإن السياسة الضريبية – وما يرتبط بها من إنفاق عام – هي المدخل السليم لمناقشة الإدارة الاقتصادية، وما إذا كانت تسعى لتحقيق الأهداف.. التي يتوافق عليها المجتمع، أم أنها تقدم للناس رؤى وشعارات نظرية، ثم تنتهي بنتائج مختلفة تماماً.
يشجعني على الخوض في هذا الموضوع، ما أتابعه من مبادرات ضريبية مهمة.. أطلقتها وزارة المالية خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى رأسها تيسير المعاملة الضريبية للمشروعات الصغيرة، والتصالح مع الأوضاع غير المقننة، وتسهيل تقديم الإقرارات، وإطلاق حملة إعلامية.. لتحفيز الناس على التعامل مع مصلحة الضرائب بشفافية أكبر. كما أتابع اهتمام السيد وزير المالية – والمجموعة المحيطة به – للتأكيد على أن الهدف ليس مجرد زيادة الحصيلة الضريبية (وهو هدف مشروع تماماً)،وإنما أيضاً إعادة الثقة بين الممولين والدولة.
ولمعرفتي الجيدة بشخصية وكفاءة الوزير، والمجموعة المحيطة به – عبر سنوات طويلة من العمل الحكومي – فإن عندي يقيناً في صدقه وحماسه، ورغبته في بناء هذه الثقة.
ولكن الحقيقة، أن الموضوع «كبير جداً»،وأكبر بكثير.. من تيسير الإجراءات، وتسهيل الإقرارات؛ بل وراءه تراث هائل، وعقود – وربما قرون – من التوجس والملاحقة.. من جهة، ومن التهرب والتستر.. من جهة أخرى؛ إلى حد أنني لا أظن أن تعبير «إعادة الثقة» في محله، لأنها ثقة.. لا أتصور أنها كانت موجودة، ثم ضاعت. وهذا ما يجعل مهمة بناء الثقة – التي يستهدفها السيد الوزير – أكثر صعوبة وتعقيداً، وما يجعلها جديرة بالاحترام والتشجيع.
اسمحوا لي إذن، أن أستغل هذه المساحة الصحفية المحدودة.. لفتح باب للحوار حول موضوع السياسة الضريبية، والإنفاق العام. وغرضى ليس القفز إلى نتائج مسبقة وآراء جاهزة، بل البدء بتوفير المعلومات الأساسية حول هذا الموضوع، الذى قد يبدو – لغير المتخصصين – «مغارة سرية»..مغلقة على مَن يملكون مفاتيحها، ويعلمون طلاسمها. ولكنه – فى الحقيقة –بسيط، لأنه يتعلق بما ندفعه نحن المواطنين للدولة، وما نحصل عليه من مقابل.
فلنبدأ إذن هذه الرحلة معاً.. وأتناول الأسبوع القادم، وصفاً لموارد الدولة الضريبية.
وكل عام وأنتم بخير.
نقلاً عن «المصري اليوم»