Times of Egypt

الصحة في زمن الحرب!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام


الحرب تجسيد لقدرات الدولة الشاملة؛ تتجلى فيها جميع جوانب قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية. إنها مرآة لقوة الدولة. الحروب انعكاس للتكوين العقلي والتعليمي والصحي للجندي.
كتابات كثيرة تحدثت عن أهمية التعليم.. في معرض تعليقها على الحرب الإسرائيلية على إيران، وكذلك الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية. لكن العنصر الذي لا يقل أهمية، إن لم يزد، هو الصحة. إنها، بتعبير الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل (1874 – 1965)، أعظم ثروة يمكن لأي بلد أن يمتلكها.
لم يعد الاهتمام بالصحة يتوقف عند زيادة ميزانيتها.. لتصل إلى ما ينص عليه الدستور، وهي نسبة في الغالب لا تتجاوز 3٪.
حكومات عديدة اعتبرتها الأولوية الأولى لها، مع زيادة الأمراض بشكل غير مسبوق، وارتفاع تكاليف العلاج بما يفوق إمكانات المواطن الميسور أحياناً، وارتفاع معدل شيخوخة المواطنين. كان وباء كورونا اختباراً.. فشلت فيه غالبية الحكومات، التي وجدت نفسها غير قادرة على التعامل مع الإصابات المليونية، والوفيات التي فاقت مئات الآلاف. أعادت حكومات النظر في معدلات الإنفاق، قلصت المخصصات لقطاعات عديدة، ووجَّهت ما وفَّرته إلى الصحة.
لكن الحكومة العمالية البريطانية تبنت توجّهاً غير مسبوق. قبل أسبوعين، قررت وزيرة المالية راشيل ريفز تخصيص خمس الإنفاق الحكومي العام تقريباً (20٪) لهيئة الصحة الوطنية المسؤولة عن علاج المواطنين.
مؤسسة «ريزولوشن» البحثية، ذكرت أن بريطانيا يمكن أن يُطلق عليها – بنهاية العقد الحالي – «دولة الصحة الوطنية» الأولى في العالم، بعد الزيادة الهائلة في الإنفاق عليها. القضية الرئيسية المُثارة في بريطانيا حالياً.. هي عدم قدرة هيئة الصحة الوطنية – التي تقدِّم العلاج مجاناً لكل مقيم على الأرض البريطانية.. طالما يدفع الضرائب – على خفض قوائم انتظار ملايين المرضى، الذين ينتظرون العلاج.
وصلت القوائم إلى رقم قياسي، وضجّ المرضى بالشكوى.. الأمر الذي ساهم بقوة في إسقاط حكم المحافظين في الانتخابات البرلمانية قبل حوالي عام. حزب العمال الحاكم تعلم الدرس، ووجَّه كل جهده للعمل على حل جذري للأزمة. وزير عمالي وصف الهيئة بأنها أصبحت «خدمة مُعطلة».. بعد 14 عاماً من حكم المحافظين. ورغم أن العمال خصَّصوا في آخر حكومة لهم عام 2010 حوالي 34٪ من الإنفاق العام للصحة، إلا أنهم وجدوا أن ذلك غير كافٍ. الحكومة تدرك أن زيادة الإنفاق بهذا الحجم الهائل.. معناه فرض ضرائب جديدة، في ظل نسب النمو الضعيفة للاقتصاد، إلا أنه لم يكن أمامها بديل.
نواب حزب العمال – الذين يمثلون دوائر انتخابية فقيرة – لعبوا دوراً كبيراً في إلزام الحكومة بالتوجه الجديد. مؤسسات مجتمع مدني عديدة.. أجرت دراسات، وكشفت مدى حاجة قطاع الصحة لزيادة كبيرة في الإنفاق. لم تعد قضية الصحة علاقة فردية بين المواطن وطبيبه أو مستشفاه. هذه مهمة من صميم اختصاصات الدولة ومسؤوليتها. الحكومة تلعب الدور الأكبر في توفير العلاج المناسب لكل مواطن. ترك المرضى للقطاع الخاص ليس حلّاً.
قوة الدولة ليست دبابة وصاروخاً وطائرة فقط، بل مواطن متعلم، صحيح البدن، معافى من الأمراض، قادر على تلبية نداء الوطن إذا تعرَّض للخطر.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة