Times of Egypt

«الشيزوفرينيا» المصرية!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

في 23 يوليو الماضي، أحيت مصر الذكرى الـ73 لثورة 23 يوليو 1952، التي تُعد حجر الأساس في الاستقلال عن بريطانيا. وفي 15 أغسطس الحالي تحتفل الهند بالذكرى الـ 78 لاستقلالها عن بريطانيا أيضًا. قطع البلدان شوطًا كبيرًا.. في تكوين هوية جديدة، وتخلصا – إلى حد كبير – من موروثات الاستعمار. لكن ما زال التشكك في كل ما هو غربي.. يسود قطاعات مهمة بالدولتين. الشهر الماضي، أنتجت شركة «برادا» العالمية للأزياء «صندل» – أو (شبشب) – يشبه إلى حد كبير الصنادل الهندية التقليدية. على الفور، قامت ضجة ضد الشركة، ووصفت صحيفة هندية «الصندل»، بأنه.. مُنتَج استعماري. نددت صحيفة أخرى بالأساليب الاستعمارية.. التي تمارسها «برادا».

الهند الآن دولة كبرى، قوة نووية، اقتصادها سيصبح قريبًا.. الرابع في العالم، وهي تصدِّر الحبوب، بعد أن كانت تتلقى المساعدات الغذائية. ورغم بعض «النعرات الوطنية»، وتحميل الغرب مسؤولية تأخرها الطويل، إلا أن الطبقة الوسطى الهندية.. ربطت نفسها بالعالم، وصدرت مئات آلاف المهندسين والفنيين للغرب. الجامعات الهندية ومراكز البحث.. أقامت علاقة شراكة مع نظيراتها بالغرب. النظرة للغرب تغيرت، والتعامل معه يزداد.. ولكن من موقع قوة.

ماذا عنا؟ محصورون بين رؤيتين متعارضتين. الأولى: تحمل الغرب مسؤولية فشلنا وتراجعنا، والثانية: تتعامل معه بانبهار وتقليد.. لدرجة أن البعض منا مصابون – كما ذكر أحد الكتاب – بمرض «الغرب». استطلاعات الرأي العام المصري.. تُظهر مشاعر سلبية للغاية؛ مؤامرات الغرب لا تتوقف منذ القرن الـ 19.. مرورًا باستعمارنا، ثم نكبة 48، وحتى عدوان إسرائيل الحالي على غزة. كراهيته للإسلام (الإسلاموفوبيا).. واضحة للعيان. 

رغم نهاية الحقبة الاستعمارية، إلا أن أوروبا وأمريكا.. مستمران في نهب ثرواتنا، وعرقلة محاولات تقدمنا.

في المقابل، هناك انبهار كبير بالغرب؛ خاصة في نواحي الاستهلاك، والصيحات الجديدة. اللغة الإنجليزية.. لم تعد لغة التعليم الأساسية، في المدارس والجامعات الأجنبية في مصر؛ بل لغة الإعلانات.. خاصة في مجالات العقارات والمنتجات التكنولوجية. 

أسماء «الكومباوندات».. هجين غريب من الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية. قوائم الطعام بالمطاعم الفاخرة بالإنجليزية.. بل أسماء الوجبات نفسها. أطباء وخبراء ومصرفيون يطلون علينا عبر التلفزيون.. متحدثين بلغة أقرب إلى «الفرانكوآراب». 

علاقتنا بالغرب لم تعد كما كانت.. في منتصف القرن الـ 19 وما بعد؛ حيث كان اقتباس الأفكار والنظم والقوانين، وأساليب البناء والموسيقى؛ كما فعل رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك، وغيرهم من العلماء والمفكرين والفنانين. 

الآن، التركيز على تقليد الصيحات المثيرة، والملابس الغريبة، والأفكار الشاذة.. التي تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في نشرها وذيوعها.

هل لدينا تناقض أو انفصام فكري؟ 

في الوقت الذي تتصاعد فيه كراهيتنا، ومشاعرنا السلبية ضد الغرب، ويفكر بعض المصريين الذين يعيشون هناك في العودة؛ رفضًا لأساليب الحياة. تزداد درجات الانسحاق.. أمام غالبية ما يأتي منه؛ نحتقر لغتنا العربية.. من أجل لغة أجنبية لا نستفيد منها في العلوم والفكر والثقافة، بل في الترفيه والبهرجة والتفاخر. 

أليس هناك مؤسسات فكرية مصرية، تعكف على دراسة أسباب هذا الانفصام، وتداعياته في طريقة تفكيرنا، وتصرفاتنا، وتعاملنا مع الآخر؟ الذي يبدو أقرب إلى «الشيزوفرينيا»!؟ 

ربما أكون مبالغًا بعض الشيء.. لكن بالتأكيد، لدينا مشكلة.

نقلا عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة