سمير مرقص
(1)
«بزوغ مركزية الشرق الأوسط»
يقول العالم السياسى الفرنسى برتران بادى (1950ــ ): «إن الشرق الأوسط الذي لم يحدث له
أن كان في قلب العالم ومركزه – اللهم إلا في عصور الأقدمين – ما فتئ اليوم يحتل منزلة القلب
تلك، في جدول أعماله».
ففي البدء، احتضن الشرق الأوسط الحضارات الأولى التاريخية العريقة، كما استقبل رسالات
الوحي الثلاث الكبرى، وعرف تشكل الإمبراطوريات، وشهد تقاطعات سجالية واشتباكية.. ثقافية
ودينية وحضارية ممتدة عبر العصور، وصراعات اقتصادية وسياسية وعسكرية.. على مدى
التاريخ. ولأسباب متعددة ومتشابكة.. تعرَّض الشرق الأوسط في القرون الوسطى لتراجعات
كثيرة، واكبها نهوض غربي بارز. وعن التراجع الشرقي والنهوض الغربي، يقول جورج قرم
إنه: «كلما تسارع إيقاع التقدم في أوروبا، اشتد إيقاع التراجع في الشرق الوسط».
فبينما استطاعت أوروبا أن تتوافق.. على أن تعبر مرحلة الحروب الممتدة – الدينية والإقطاعية –
وتؤمِّن حدودها. كانت إمبراطوريات الشرق غارقة في «الحروب المستمرة، والغزوات،
والغزوات المضادة». وبحلول نهاية القرن الثامن عشر، كان عالم الشرق القديم يترنح، وفي
المقابل كان الغرب – الاستعماري – يتمدد في عدة اتجاهات، كان أهمها الشرق الأوسط، ومن ثم
تجددت مكانته وقيمته ومركزيته مع مطلع القرن العشرين.
(2)
«الشرق الأوسط سنة 1916: التقسيم والتقاسم»
في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أدركت الإدارات الاستعمارية لبريطانيا العظمى وفرنسا،
كيف أن المنطقة حول الخليج العربي، وفي العراق وإيران، تمتلك ثروة فائقة من النفط. إذ تأكد
امتلاكها حول 15٪ من الاحتياطي النفطي العالمي. ما دعا مع مرور الوقت.. اللورد كيرزون –
الحاكم البريطاني للهند آنذاك – إلى استخدام الشرق الأوسط.. للتدليل على «مناطق تركيا والخليج
العربى وإيران فى آسيا؛ باعتبارها تمثل الطريق إلى الهند». (كانت القوى الاستعمارية تقسم
المساحة الجغرافية بين شرق المتوسط والخليج العربي من جهة، وشرق آسيا فالعمق الآسيوي
الهندي والصيني من جهة أخرى، إلى منطقتين هما: الشرق الأقصى (الآسيوي) والشرق الأدنى
(الشرق المتوسطي والعربي والفارسي).
ومع تتابع الاكتشافات التنقيبية، في الثلاثينيات من القرن الماضي، تبين أن المملكة العربية
السعودية تستحوذ على ما يقارب من خُمسه. على هذه الخلفية اعتمدت بريطانيا التي كانت تُعتبر
القوة الاستعمارية الأولى آنذاك – الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس – اسم الشرق الأوسط
أولاً من خلال إنشاء وزارة المستعمرات البريطانية التي كان يتولاها ونستون تشرشل في الفترة
ما بين الحربين العالميتين لإدارة باسم الشرق الأوسط. في هذا السياق، تم تقسيم المنطقة سنة
1916 فيما عُرف باتفاق «سايكس- بيكو».
وهو الاتفاق الذي قسم «تركة» الدولة العثمانية بين «فرنسا وإنجلترا بتوافق روسي». وكان
الاتفاق – وما تلاه من اتفاقات – قد زرع الكثير من الفخاخ والألغام، ما يجعل المنطقة قابلة
للتقسيم في أي وقت، ما ييسر التقاسم دوماً.
(3)
«110 سنوات من التقاسم»
يعكس التطور التاريخي السابق.. حول مفهوم الشرق الأوسط، كيف استأثر الغرب الأوروبي
أولاً، ثم الأمريكي لاحقاً.. بحق تسمية المنطقة، وتحديد نطاقها الجغرافي، مع ضم – أو استبعاد –
الدول حسب الحاجة. ويقول المفكر العربي الكبير، ساطع الحصري، في مقاربة مبكرة مهمة له،
إن: «الاختلاف حول مدلول الشرق الأوسط، يدل دلالة قاطعة ..على أن هذه التقسيمات
والتصنيفات لا تستند إلى أسس ثابتة.. من الجغرافيا الطبيعية أو البشرية، إنما هي تقسيمات
اعتبارية، تسعى إلى تقريرها سياسة الدول الغربية، الساعية دوماً لاستدامة وتأبيد تقاسم النفوذ
والثروة.. حسب ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية والاستعمارية».
وذلك من خلال: أولاً: ضمان ضخ التدفقات الطاقوية إلى ما لا نهاية، بما يضمن استدامة تقدمه.
وثانياً: استخدام هذه البلدان.. كأسواق لتصريف منتجاته. وثالثاً: ضمان حضوره في المواقع
الاستراتيجية؛ من مطلات بحرية وممرات حيوية وغير ذلك. ورابعاً: احتواء القوى الكبرى
الأخرى كروسيا، والإقليمية كإيران. وخامساً: اللجم الفوري لأي صعود راديكالي مقاوم في
الإقليم.. من خلال إسرائيل.
وسادساً: حماية أمن إسرائيل قبل كل شيء، وأن تكون: ثكنة ومختبر الحرب، تتلقى الدعم
الاقتصادي، والعلمي، والتكنولوجي؛ فتشارك قوى الغرب جديد السلاح والعلم والتقنيات، حتى
تصبح – في المحصلة – القوة الإقليمية ذات اليد الطولى.. من أجل استمرار احتكار الثروة لصالح
الغرب. لذا ليس غريباً أن ترعى إسرائيل إحياء اقتصاد الممرات الاقتصادية من الهند إلى أوروبا
عبر حيفا. وهو ما ورد مؤخراً على لسان نتنياهو.
(4)
«مقاومات تاريخية استثنائية»
يمكن القول إن هناك تمردات ومقاومات للتقاسم الاستعماري الكلاسيكي، والأمريكي الغربي
الإسرائيلي للشرق الأوسط؛ تمثل في: تأميم مصدق للنفط الإيراني عام 1951، وتأميم ناصر
لقناة السويس عام 1956، وتأسيسه لقاعدة صناعية مهولة في ظل المؤسسة الاقتصادية عام
1957، وحرب أكتوبر المجيدة.. التي شجعت العرب على حظر البترول، وجرَّأت العالم الثالث
على المطالبة بنظام اقتصادي عالمي جديد.. منتصف السبعينيات. ولكنها محاولات تم حصارها
وتطويقها بدرجة أو أخرى. والسؤال: هل يمكن التحرر من التقاسم التاريخي للشرق الأوسط؟.
نقلاً عن «المصري اليوم»