سمير مرقص
الشرق الأوسط: خلفية تاريخية في سنة 1911، دعا الحاكم البريطاني للهند «اللورد كيرزون»
(1859- 1925).. إلى تعميم استخدام مصطلح الشرق الأوسط، على المنطقة التي تشمل: مناطق
تركيا، والخليج العربي، وإيران في آسيا؛ باعتبارها تمثل الطريق للهند، إذ كانت التجارة
الأوروبية تتركز حول الهند. وفي ضوء هذه الدعوة، انطلق الصراع حول «الشرق الأوسط» –
أو التقاسم الجيوسياسي للشرق الأوسط – مع مطلع العقد الثاني من القرن العشرين.
اقترنت هذه الدعوة، بإدراك الأهمية الاستراتيجية القصوى لإقليم الشرق الأوسط، التي تتمثل في:
أولاً: امتلاك إقليم الشرق الأوسط واقعياً لنصف الاحتياطات من النفط.
وثانياً: الأهمية الاستراتيجية للممرات الحيوية، والمطلات البحرية، والمواقع التي تصلح كقواعد
عسكرية في دول إقليم الشرق الأوسط المختلفة؛ بما يضمن تيسير المصالح الاقتصادية للقوى
الاستعمارية من جهة. والغلبة في الصراعات – التي تنشأ بسبب التنافس على مقدرات الإقليم،
لضمان ديمومة ضخها – لهذه القوى الاستعمارية من جهة أخرى. وثالثاً: استغلال دول الإقليم..
كأسواق لتصريف منتجات تلك القوى الاستعمارية. في ضوء الأهمية الاستراتيجية – التي يمثلها
الشرق الأوسط – بدأ الصراع «حوله وفيه».
مسمى «الشرق الأوسط» جغرافيا.. عبارة مطاطية، لاستدامة التقسيم-التقاسم.
تشير الدعوة البريطانية حول الشرق الأوسط.. إلى كيف وجهت الصراعات فيه، ومن ثم إدارة
تقاسمه-تقسيمه؛ بداية من استئثار الغرب الأوروبي أولا، ثم الأمريكي/الأطلسي/الإسرائيلي
لاحقاً.. بحق تسمية المنطقة، وتحديد نطاقها الجغرافي، مع ضم – أو استبعاد – الدول حسب
الحاجة، وهو ما أطلقنا عليه: الجغرافية المطاطية. ما يعني: أولاً: أن مصطلح «الشرق الأوسط»
- في حقيقة الأمر – لا يشير إلى منطقة جغرافية، بل إنه مصطلح سياسي.. في نشأته وفي
استخدامه. وثانياً: إن هذه التسمية لا تُستمد من طبيعة المنطقة نفسها، وخصائصها البشرية، أو
الحضارة الثقافية، أو شكل نظمها السياسية؛ بل هي تسمية تشير إلى علاقة الغير بالمنطقة. وثالثاً:
إن الغرب قد حرص على تلك المطاطية.. لأسباب تتعلق باستراتيجيات وسياسات خاصة به.
وربما يكون السؤال: لماذا لجأ الغرب الاستعماري التاريخي، والحديث.. إلى تلك المطاطية؟
يجيب المفكر العربي الكبير ساطع الحصري – في مقاربة مهمة له مبكرة – على أن: «الاختلاف
حول مدلول الشرق الأوسط، يدل – دلالة قاطعة – على أن هذه التقسيمات والتصنيفات، لا تستند
إلى أسس ثابتة.. من الجغرافيا الطبيعية أو البشرية، إنما هي تقسيمات اعتبارية، تسعى إلى
تقريرها سياسة الدول الغربية؛ حسبما تقتضيه مصالحها الاقتصادية، والاستراتيجية
والاستعمارية»، إذ تتلخص هذه المصالح في الآتي: أولاً: ضخ التدفقات «الطاقوية» إلى ما لا
نهاية. وثانياً: بقاء بلدان المنطقة كأسواق لتصريف منتجاته. وثالثاً: السيطرة على المواقع
الاستراتيجية من مطلات بحرية وممرات حيوية.
في ضوء التأسيس الاستعماري للشرق الأوسط؛ مر الصراع «حول-في» الشرق الأوسط.. بأربع
مراحل (نستعرضها في عجالة، لمزيد من التفاصيل نحيل إلى مقدمتنا الجديدة: المنقحة والمزيدة،
لكتابنا الحماية والعقاب: الغرب والشرق الأوسط والمسألة الدينية – الصادر عن دار العين)،
وذلك كما يلي:
الشرق الأوسط: أربع مراحل من الصراع..
المرحلة الأولى: مرحلة ما بين الحربين العالميتين؛ تعرضت المنطقة – بالأساس – إلى استنزاف
استعماري لمقدَّرات الإقليم، الذي كانت كل دوله مستعمرة.. انطلاقاً من تقاسم جيوسياسي بين
بريطانيا وفرنسا – بالأساس – وفق اتفاقية «سايكس- بيكو».. التي تم عقدها بين الدولتين سنة
1916.
تلتها المرحلة الثانية: أو المرحلة التي بدأت عقب نهاية الحرب العالمية الثانية – واستمرت إلى
سنة 1989، تاريخ سقوط جدار برلين – وسميت بمرحلة الحرب الباردة؛ فلقد اتسمت بحلول
الولايات المتحدة الأمريكية محل القوى الاستعمارية الآفلة، وعلى رأسها بريطانيا، ومن ثم
تكريسها كقيادة عالمية جديدة.
بيد أن هذه المرحلة قد شهدت تطورات عالمية لافتة، لم يكن الشرق الأوسط بعيداً عنها. لعل من
أبرز تلك التطورات، كان ميلاد المعسكر الشرقي/الاشتراكي وكتلة الدول غير منحازة/العالم
الثالث. وقد فرضت تلك التطورات على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تعيد تنظيم وتعبئة
التحالف الغربي/الأطلسي.. لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنظومة الدول التي انخرطت في
المعسكر الشرقي.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن جيوسياسية ما بعد الحرب العالمية الثانية.. تطلبت توسيع
النطاق الجغرافي للشرق الأوسط – وهو الاتساع الذي وصفناه «بالمطاطية الجغرافية» –
فبالإضافة إلى ضم باكستان وأفغانستان، تم الغرس القسري لإسرائيل.. عقب نكبة 1948، لتكون
في قلب إقليم الشرق الأوسط. وعليه أضيفت إلى عناصر الأهمية الاستراتيجية الثلاثة (التي
ذكرناها في الفقرة الأولى) أربعة عناصر استراتيجية جديدة كما يلي:
رابعاً: احتواء القوى الكبرى الأخرى كروسيا.
وخامساً: اللجم الفوري لأي صعود راديكالي مقاوم قومي أو ديني.
وسادساً: حماية الكيان الإسرائيلي – الاحتلالي الاستيطاني الإبادي التطهيري – الذي لا سقف
لتوسعه؛ ليكون الثكنة والمختبر الحربي، الذي يملك جديد العلم والتكنولوجيا والسلاح، بما يبقيه
في مقدمة القوى الإقليمية.
سابعاً: تأبيد السيطرة والتحكم في التدفقات «الطاقوية».. حسب أحد الباحثين.
أما المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد الحرب الباردة – أو التي يطلق عليها البعض مرحلة الحرب
الهادئة – التي امتدت من عقد التسعينيات في القرن الماضي إلى مطلع العقد الثاني من القرن
الجديد، وتراوح فيها الموقف الأمريكي حيال الشرق الأوسط؛ فقد سعت الولايات المتحدة
الأمريكية – إضافة إلى تأمين استدامة تعظيم الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية للإقليم
بعناصرها: القديمة والجديدة – إلى إعادة هندسة الإقليم؛ بما يضمن الحيلولة دون تشكل قوى
إقليمية.. سوى إسرائيل (احتلال العراق في 2003، وتطبيق إصلاحات في دول الإقليم قسراً،
وحصار إيران،…). إلا أن هذه الفترة، التي ظنت فيها الولايات المتحدة الأمريكية أنها قد دانت
لها الهيمنة على العالم، والإقليم.. منفردة، كانت تشهد صعوداً لقوى عالمية جديدة، ما أدى إلى
المرحلة الرابعة: التي أطلقنا عليها مرحلة الحرب/الحروب الساخنة.. بداية من مطلع العقد الثاني
من الألفية الجديدة.
وبعد، نواصل في مقال الأسبوع القادم حديثنا عن ما جديد الشرق الأوسط.
نقلاً عن «المصري اليوم»