Times of Egypt

«الشرق الأوسط الجديد».. وما الجديد؟

M.Adam
محمد عبدالشفيع عيسى 

محمد عبدالشفيع عيسى

تُطالعنا وسائط الإعلام المرئي والمسموع والمقروء كل حين من أيامنا – تقريباً – بعنوان عريض.. عما يسمى «الشرق الأوسط الجديد». ولا ننسى في هذا السياق ما طنطن به رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي الأسبق.. شيمون بيريز – في كتابه الموسوم «الشرق الأوسط الجديد» New Middle East – الذي صدر عام 1992، وتمت ترجمته إلى العربية، واحتفي به أيما احتفاء.

واليوم، تتكرر «طنطنة» رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي.. (تبشيراً) بما يسميه – هو الآخر – «الشرق الأوسط الجديد». ولكن شتان ما بين المشرقين؛ فـ«مشرق» شيمون بيريز.. كان ناعم الملمس، رقيقاً، يتلمس خطاه مع مطالع زمن جديد، زمن «البترو دولار» المنبعث من أموال منطقتنا العربية في الخليج، من ناحية، وبعد «كامب ديفيد» المصرية – الساداتية، من ناحية أخرى. وأما «شرق» الحكومة الإسرائيلية الراهنة.. فهو خشن الملمس، مغموس في البارود والدم.

كانت «رسالة» شيمون بيريز، هي الدعوة إلى تحقيق «نهضة شرق أوسطية».. قائمة على ثلاثة أعمدة، تمزجها مزجاً لتخرج بخليط.. ذي مذاق مقبول لأمة العرب في المقام الأول. هذه الأعمدة الثلاثة هي: التكنولوجيا الإسرائيلية، والمال النفطي العربي، والثروة البشرية المصرية.

فهل من الممكن، لأحد أن ينكر «منطقية» تلك الدعوة – ظاهرياً – وجاذبيتها الفكرية والعملية؟ من الصعب ذلك. وكان لبيريز بعض ما أراد، بنشر تلك الدعوة وانتشارها في أصقاع الأرض العربية وخارجها.

لم يتحقق الكثير مما أراده – وطمع فيه – بيريز، ولكن تحقق شيء – وإن كان قليلاً – قد أشبع بعضاً من مطامعه في استغلال الثروات العربية البشرية والمالية والطبيعية؛ «بفضل» الاستفادة من تكنولوجيا إسرائيل التي روَّج لها. وقد مضت الأيام بقضها وقضيضها، بحلوها – إن وجد – ومرها الغالب في الحلق. مضت الأيام.. بمنافع كثيرة لخلفاء بيريز، وخسائر مؤكدة لأبناء «يعرب» في كل مكان.

ثم مضت أيام أخرى كثيرة، من تسعينيات القرن المنصرم.. إلى عشرينيات القرن الحادي والعشرين؛ أيام متعددة الألوان، متقلبة، صعبة المراس، يصعب التنبؤ بما تحمله من جديد، في بيئة حبلى بما لا يتوقعه الكثيرون.

هذه إذن أيامنا، حيث اختلطت أوراق القوة وأوراق الضعف.. للكيان الإسرائيلي؛ قوة مستمدة من «قدرات الاستخبارات» و«التضليل الاستراتيجي» Strategic Misleading من جهة، ومن اعتماد مطلق على دعم «الإمبريالية الكبرى».. الولايات المتحدة الأمريكية، لـ«الإمبريالية الصغرى» الشرق أوسطية.. إسرائيل، دعماً بلا حدود: معلوماتياً، استخبارياً، تكنولوجياً، ومالياً. وكذلك تسليحاً وذخيرة، إلى جانب تكنولوجيا الحرب، خاصة الطيران والقوة الجوية (3-م مثالاً).

وكان لتلك الكبرى، والأخرى الصغرى.. شيء غير قليل مما أرادتا؛ ولمَّا وقعت «الواقعة» – من خلال هجمة (حماس) في السابع من أكتوبر 2023 – استثمرتها قوى (اليمين الصهيوني المتطرف) في إسرائيل؛ فمدَّت أجنحتها يميناً وشمالاً، وشمالاً وجنوباً. وهكذا، من غزة إلى جنوب لبنان، وإلى الضاحية الجنوبية لبيروت، قرب مركز (السيد حسن).. الذي وعد وأوفى بالكثير، وإن لم يُقدَّر له أن يحقق بعضاً لا بأس به مما وعد، حتى لقي ربه في أحد الطوابق «المخندقة» تحت الأرض.

تلك هي قوة إسرائيل، التي تكشفت مؤخراً.. بعد أن طال «الخداع الاستراتيجي» جميع جوانب حياتنا العربية؛ بدءاً من معركة تدمير أجهزة «البيجرز» في 2024، حتى محاولة (فاشلة نسبياً على كل حال).. للقضاء المبرم على البرنامج النووي الإيراني في 2025.

وأما ضعفها، فقد تكشَّف على أرض غزة – في شمالها وحدودها وجنوبها عند «خان يونس» – إذ قامت حركة المقاومة.. ممثلة في «حركة المقاومة الإسلامية – حماس.. كتائب القسام» و«الجهاد الإسلامي – سرايا القدس» بمقاتلة عدوهما وعدو فلسطين.. وجهاً لوجه، في حرب «محدودة» تمثل نوعاً من الامتداد لحروب العصابات في آسيا الشرقية وفيتنام منذ عقود طوال؛ حيث المواجهة «من المسافة صفر» – كما يقال – وبناء الخنادق، وأسر رهائن في دهاليزها العجيبة العظيمة، التي لا يصل إليها أحد.

أضف إلى ذلك، استخدام الأسلحة صغيرة المدى، وذخيرة من الصواريخ وغيرها، وكذلك تلغيم المباني، وتفجير مداخل الخنادق.. الوهمية منها والحقيقية؛ وقتل من تصل إليهم أيديهم من جنود إسرائيل – ضباطها وعساكرها، من الاحتياط ومن القوة العاملة – حتى ظهر النقص الفادح في القوة البشرية الإسرائيلي..ة أثناء حربها، بل وحروبها العديدة.

ومن ضعف إسرائيل أيضاً: محدودية فاعلية أجهزة الدفاع ضد الصواريخ.. بأجيالها المختلفة، مما ظهر جلياً في المواجهة بين إيران وإسرائيل في منتصف 2025. ولقد كان الدعم (المطلق…!) الذي قدمته الإمبريالية الكبرى لتلك الصغرى فعالاً.. إلى حد غير قليل، حتى ظهر منه مؤخراً ما ظهر، في يوليو 2025.

ذلك ما تبيَّن من انطلاقة الجيش «شبه الكسيح» الإسرائيلي.. قليل القوة البشرية، لكن مع كثير العتاد والمال.. المجلوبين من «الإمبراطورية الأمريكية المعسكرة»، حيث وجدنا الكيان الإسرائيلي يبعث ببقايا جيشه.. لضرب سوريا في «السويداء»؛ باسم حماية إحدى الطوائف، وقرب مقر رئاسة الأركان السورية و«قصر الشعب العتيد». فيا لها من جرأة غريبة الشكل والمضمون..! وفي الوقت نفسه، ضرب مواقع متعددة في الجنوب اللبناني و(الضاحية) وغيرها، وكأنه استعراض مظهري للقوة، تباهٍ بالانفراد ببلاد عربية عديدة.. في وقت واحد، دون رد أو ردع!

ولكنها سكرات النصر الموهوم، ولسوف تتبعها قذائف الحق.. حين يقدر لها أن تجيء، وسوف تجيء! 

نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة