Times of Egypt

السيناريو الذي لم يكمله «الحيَّة»

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

كان للصديق العزيز الدكتور أحمد مرسي – أستاذ الأدب العربي، وأبرز رواد أساتذة التراث – مثلٌ عاميّ.. يردده إذا احتدم حوار حول مسألة مهمة، حافلة بالإحباطات والسلبيات وتجاهل الحق: «خلي زكايب الهم مربوطة»، وهو مثل مناسب تماماً للتعليق على ما قاله خليل الحيَّة – رئيس «حماس» – عن مصر وشعبها وجيشها. غير أن الأمر قد يقتضي فتح الزكايب – جمع زكيبة، وهي الكيس الضخم الذي يعبئ فيه الفلاحون والتجار الحبوب – ولو بمقدار ثقب صغير.

بملاحظة شكلية.. قد تبدو في نظر البعض تافهة، أو تدخلاً في نطاق شخصنة المسائل، وهي أنني طالما راقبت قادة حماس وهم يطلقون خطبهم المتأججة، متأملاً وجوههم ولحاهم وأجسادهم، وحدث ذلك مع «الحيَّة» خلال خطبته الأخيرة، ولاحظت امتلاء البدن – بسم الله ما شاء الله – وتهذيب اللحية والشعر، بل كان منهم من قفز كرشه أمامه – مثل هنيّة رحمه الله – وربما كان الاستثناء البدني الوحيد.. هو السنوار، رحمه الله.

وقد بدا خليل ممتلئاً صحة وحيوية، وكذلك يبدو مشعل دوماً «مانيكان».. خرج لتوه من حمام البخار، وتفنن الحلاق البارع في ترتيب شعر رأسه ولحيته، وهي ملاحظة لا تحتاج لشرح أو تعليق!

ثم إن الشيء بالشيء يذكر، إذ أعاد كلام الحية إلى ذهني.. واقعة حدثت في طرابلس الغرب – «عاصمة ليبيا أيام كانت جماهيرية شعبية عظمى» – إذ كنت عام 1982 ضمن وفد مصري نشارك في مؤتمر حمل اسم «قوى المعارضة العربية»، وحضر عشرات الشخصيات السياسية من مختلف التوجهات، ومن العديد من البلاد العربية.

وفيما كنت في استراحة بين جلستين، فإذا بمن يستدعيني لمقابلة المقدم عبدالله حجازي؛ الذي لم أعرفه من قبل، وعرفت من بعد أنه من قادة الثورة، وأحد الضباط الوحدويين الأحرار، وله مسؤولية نضالية قومية.

ودخلت وجلست، وبغير مقدمات دخل حضرته في الموضوع، وبلهجة تأنيب واستنكار وقرف قال: أنتم انهزاميون انتهازيون كسالى.. لماذا لا تشكلون فرقاً كبيرة من الرجال والشباب والنساء، وتقودونهم نحو فلسطين، وتهجمون بالحشود على الصهاينة.. الذين مهما كانت قوتهم، فلن يبيدوا مئات الألوف، وإذا أبادوا.. فسيبقى من يستطيعون الوصول إلى عمق الكيان الصهيوني ليدمروه؟

وبدأت ردي بسؤاله: هل اطلعت على أي ملف يخص من استدعيته.. لتقول له هذا الكلام؟ هل عرفتني من أنا وتاريخي وأفكاري؟ فأجاب بالنفي، فقلت: عندك حق، ويجب أن نقوم بذلك، ولأجل ذلك.. نطلب منكم – كثورة ودولة – أن يطير كل سلاح الجو الليبي.. محملاً بكامل حمولته من المتفجرات والقنابل والصواريخ، في طلعة انتحارية – أو استشهادية – «ترشق» في عاصمة العدو ومدنه وقواعده.. وتبحر كل البحرية الليبية.. لطلعة استشهادية، لتدك كل بحرية والشواطئ والمدن المطلة على البحر في الأرض المحتلة منذ 1948. وأن تتحرك السفن والبواخر الليبية.. محملة بآلاف الرجال والشباب والنساء الثوريين الليبيين، مزودين بالسلاح والعوامات.. للزحف من مياه البحر نحو الأرض الفلسطينية. فإذا فعلتم ذلك، وتم التنسيق، فستخرج الملايين وليس الألوف من مصر باتجاه فلسطين!

واضطر الأخ حجازي لإنهاء المقابلة.. بدون مصافحة مغادرة!

والشيء يذكر بالشيء أيضاً، حيث لا يسقط من ذاكرة المعاصرين لمسار القضية.. منذ الأربعينيات أو الخمسينيات للآن – وأنا منهم – كل ما فعلته مصر بعد ثورة 1952.. بقيادة جمال عبدالناصر، وعندما قبلت مصر مبادرة روجرز، وكان الهدف – غير المعلن وغير المعروف آنذاك – هو التمكن من إنشاء خط الدفاع الصاروخي المصري؛ خرجت المظاهرات في عمّان الأردن، ومنها مظاهرة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وضعوا فيها حماراً (ألبسوه قطعة قماش مكتوباً عليها شتائم بذيئة للرئيس عبدالناصر)، الذي تحمل كل ذلك، وقضى نحبه.. وهو في قمة الإنهاك على كل الأصعدة؛ صعيد الاستمرار في حرب الاستنزاف، وتمكين الجيش المصري من استكمال استعداداته لحرب التحرير الشامل. وصعيد استمرار مسيرة التنمية، والوفاء باحتياجات شعب مصر، واستمرار البناء والخدمات. وصعيد العلاقات الخارجية مع الاتحاد السوفيتي والقوى الدولية، وصعيد الخلافات العربية ..وما جرى بين الأردن وبين المقاومة. ومع ذلك، لم يكفر الرجل، ولا شعب مصر.. بالقضية الفلسطينية، واستمر التأكيد بأنها.. قضية أمن مصر القومي. 

ولقد كان المتوقع من الحية «رئيس حماس».. أن يتمتع بصدق وأمانة المناضلين من أجل الحق، وبشرف المقاتلين ضد الاحتلال والظلم، فيقول إن المعبر – أو المنفذ – مغلق من الجانب الآخر، الذي يسيطر عليه الصهاينة، وأنهم هم والفصائل الفلسطينية الأخرى.. سيركزون قتالهم عند المعبر؛ لفتحه والسيطرة عليه، وتحريره من قبضة نتنياهو وعصابته. وعندئذ تتدفق المساعدات، ويتم تأمين كل من يريد أن يذهب معها ليتضامن، أو يقاتل هناك.

أو كان المتوقع منه، أن يكون صادقاً وشريفاً.. فيعلن أنهم يريدون أن تعم الكارثة المأساوية – التي يفعلها الصهاينة في غزة – كل مناطق الجوار، بأن تقدم المبررات والمسوغات للعدو، لكي يزعم بأن خطراً عليه.. قد أتى من مصر، وأن طيرانه ودباباته وكل آلته الحربية.. ضربت – وستضرب – كل الحشود المتجهة للمعبر. وإذا لزم الأمر، فسيتم ضرب الجسور والأنفاق المؤدية لسيناء، ومن ثم لغزة.

وليكمل الحية فحيحه.. بتساؤل استنكاري: لماذا لا نورط مصر في حرب مع إسرائيل، والولايات المتحدة والغرب؛ ليحدث للشعب المصري.. ما حدث لشعب فلسطين في غزة. 

وهل المصريون أفضل منا كغزاويين؟! لماذا لا نورط مصر، فيتم تهديد – بل تهديم – ما أنجزته في بنيتها الأساسية، وتتوقف عجلة البناء والتنمية، وتشتعل الأزمات الاقتصادية والخدمية، ويعم الظلام، ودوي صفارات الإنذار.. مدن مصر وقراها، ويجد التنظيم الأم للإخوان المسلمين.. الفرصة المواتية للانقضاض مرة أخرى، وليبدأ التهجير الفلسطيني من غزة والضفة إلى سيناء ومصر، لأن الأرض تحت السيطرة الإخوانية المرتقبة.. ستكون أرض الله الواسعة، وأرض الإسلام.. لا فرق بين هنا وهناك.. 

… ثم يملك الحية الشجاعة، للإعلان عن انتصار المشروع الصهيوني.. بيد فلسطينية إسلامية!

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة