Times of Egypt

السيد والرفيق والباشا!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

كان الكاتب الكبير صلاح عيسى (1939-2017).. يحلو له أن ينادي الشخص الذي يتحدث معه ويأنس له.. بـ«يا جميل». آخرون كانوا يبادرون بالتحية قائلين: «كيف حالك يا مواطن؟»، إلى أن وصلنا إلى: يا حاج، يا جدو، يا أستاذ، وبالطبع يا باشا، يا بيه، يا مدير.. وغيرها من الألقاب، التي يمكن للشخص الحصول عليها، أو تحيته بها خلال يوم واحد. 

وفي أبريل الماضي، دعا الدكتور أسامة الغزالي حرب.. إلى إعادة إحياء الألقاب، وعلى رأسها باشا؛ مقابل مساهمات مالية، أو أعمال يقدمها مستحقو تلك الألقاب للدولة. وقد جر ذلك انتقادات شديدة للكاتب والمفكر المعروف، أكثرها كانت تجاوزاً، وأقلها كانت ردوداً موضوعية تضيف للنقاش ولا تخصم منه.

تذكَّرت تلك «المعركة»، عندما قرأت أن صحيفة «الشعب» الصينية – الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم – دعت قبل أيام إلى عودة لقب «الرفيق»، التي تحمل بين معانيها المساواة والحماسة الثورية. 

الصحيفة ذكرت – في مقال لها – أن الألقاب الحديثة.. التي حلت محل «الرفيق»، تبدو تافهة ومزيفة؛ مثل «الريس»، وكذلك «المرأة الجميلة»، التي قد تعني في العامية الصينية ما تعنيه كلمة «مُزة» في العامية المصرية. الصحيفة قالت: «لابد من العودة إلى التحية.. التي كانت مستخدمة في زمن كان فيه الناس بسطاء وصادقين».

المشكلة أن الزمن والحياة والناس أنفسهم.. لم تعد تنطبق عليهم صفات البساطة والصدق، إلا ما ندر. الصين، التي كانت على عهد ماو تسي تونج.. تبدو مجتمعاً متساوياً في كل شيء؛ من الفقر إلى التوجهات والتطلعات، لم تعد كذلك. مع الإصلاحات الاقتصادية والنمو وزيادة دخول الأفراد، زادت الانقسامات الاجتماعية.. إلى أن أصبحت البلاد – حسب إحصاءات حديثة – تتفوق على أمريكا في عدم المساواة، كما تقول مجلة «الإيكونوميست». المنتقدون اقتراح الصحيفة الصينية يقولون: كيف نطلق لقب الرفيق، على شخص دخله ألفا يوان صيني (280 دولاراً) شهرياً، وعلى شخص آخر يحصل على 20 ألف يوان شهرياً. 

الألقاب ظاهرة اجتماعية، تتحدد وفقاً للمستوى الاقتصادي والمعيشي للفرد. ماذا يجمع بين هذا وذاك حتى يجمعهم لقب واحد؟. رفيقاً كان أم سيداً أم حتى مواطناً؟!

سيظل النقاش حول فوضى الألقاب في مصر.. حديثاً نخبوياً، ينعى فيه البعض هذا الاستخدام العشوائي.. غير المنضبط والمنفلت، الذي يشير إلى التباهي والتفخيم غير المبرر، لكن الشارع والمستويات الاقتصادية والتعليمية الشاسعة.. بين فئات المجتمع، هي التي تفرض شروطها، بل تقرر ما هو اللقب الذي يحظى بالقبول والذيوع في تلك الفترة من الزمن. عندما يسخر شاب من رجل الخمسين من عمره.. بمناداته بألفاظ على شاكلة: يا حاج أو يا جدو، ألا يعكس ذلك درجة معينة من التعليم والتربية؟. وعندما ينادي بعض أفراد طبقات اجتماعية متواضعة بعضهم البعض بـ«يا باشا، يا باشمهندس، يا رئيس»، أليس ذلك طريقة لتأكيد المكانة الاجتماعية، التي يحرمهم منها المجتمع؟

ثم إن الألقاب ليس عليها «جمرك»، أي لا تكلف الشخص شيئاً، فلماذا لا نكثر منها. فوضى الألقاب انعكاس لحالة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي. وكلما تزايدت اللامساواة، ستتفاقم هذه الفوضى.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة