أمينة خيري..
توضيح واجب. السطور التالية ليست هجوماً، أو ازدراءً.. من طبقة ضد أخرى. هي توصيف حالة. والحالة، نتيجة طبيعية لعقود من التجريف، وتجاهل نمو ظاهرة السرسجة، وأعداد السرسجية. السرسجة أصبحت مرضاً عضالاً. توقفت عن كونها آفة يصاب بها البعض.. نتيجة إهمال في التربية، وتحلل في التعليم، وتجاهل تام لقواعد الصح والعيب، واستبدالها بالحلال والحرام (بحسب تفسير مجتزأ.. عمداً، واحتكار متبع منذ السبعينيات)،ودعاء دخول الحمام، وركوب الأتوبيس.
بداية السرسجة.. ليست تصرفات شعبية، أو آثاراً ناجمة عن الفقر، أو نتائج سببها الحرمان. وإن كان فقر التربية، والحرمان من التعليم القائم على القيم التربوية.. لا مجموعات السنتر، أو تلقين المدرس الخصوصي.. يؤديان كذلك إلى السرسجة.
والدليل، أن بين طلاب وطالبات مدارس دولية من وقع في براثن السرسجة. الظاهرة.. المتحولة مرضاً عضالاً، ليست وليدة الأمس، بل نتاج سنوات الإهمال والتجاهل. هي تراكمات اعتبار الأطفال نبتاً شيطانياً.. الحياة كفيلة بتربيتهم وتنشئتهم، يستوي في ذلك البعض من أبناء وبنات الطبقات الميسورة، والبعض من أبناء وبنات باقي مكونات الهرم الطبقي، ولكن بفروق بسيطة. السرسجي الثري.. يتجول بسيارة أهداها له «بابي» أو «مامي»، والسرسجية الآخرون..«على باب الله».
ما أقصده، هو أن ما نراه في الشارع وأماكن الخروج والمولات وغيرها.. من تجمعات شبابية – أصبح يطلق عليهم «سرسجية» – هم نتاج سنوات النوم في العسل. التعليم أصبح (سنتر) ودرساً خصوصياً، والمعلم نفسه.. ليس مهتماً – أو غير مستعد، أو غير مقتنع، أو لم يخبره أحد، أو ليست لديه القدرة أو الإرادة.. أو كلتاهما – ليقوم بدور تربوي، أكرر «تربوي»..لا ديني، حيث «حرام ندخل الحمام بالرجل اليمين»، «حرام البنت ما تلبسش طرحة، ويِفضَل نقاب». بالإضافة – بالطبع – لغياب دور الأسرة؛ باعتبارها معقل التربية والتنشئة.
وينبغي الأخذ في الاعتبار، أن الأسر – من ذوي «السرسجية» الحاليين – هم أنفسهم.. نتاج مرحلة تغييب دور التربية، وتقزيم أهمية الأخلاق والسلوكيات، واستبدالها بجلابيب وعباءات تقويمية أخرى، تُعنى بالمظهر والمفردات.. أكثر بكثير من الجوهر والسلوكيات. شهدت أيام العيد احتقاناً واضحاً.. لدى سكان بعض التجمعات السكنية، الملحق بها أماكن ترفيهية وتجارية، فقد شهدت زحفاً مهولاً جباراً لآلاف «السرسجية»؛ممن قلبوا أوضاع المناطق الترفيهية.. رأساً على عقب. أكرر، الوصف ليس طبقياً، لكنه اجتماعي بحت.
تداول البعض صوراً وفيديوهات – من مناطق أخرى مثل الكوربة وشارع الأهرام في مصر الجديدة – التي تحولت «مزبلة» فعلية، ناهيك عن تصرفات وسلوكيات بالغة العشوائية، وغارقة في مظاهر الخشونة والرعونة، التي ينضح بها هؤلاء السرسجية.. لأسباب نفسية واجتماعية، يمكن شرحها فيما بعد. ولأن عدد السرسجية – القادمين من أسر متوسطة، أو بسيطة الحال.. أكبر بكثير من السرسجية الأثرياء – فهم أكثر وضوحاً وظهوراً بالعين المجردة. وعلاج السرسجة.. ليس إلقاء القبض عليهم، أو منعهم من دخول الأماكن التي يرتادونها، أو حتى تجاهل وجودهم… إلخ.
المسألة تحتاج علاج جذور، وللحديث بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم»