توقف الدولار الأميركي، اليوم الخميس، عن موجة هبوطه الحادة التي استمرت عدة أيام، بعدما تعرّض لضغوط واسعة أمام أغلب العملات الرئيسية، في ظل تجدد المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي وسط التوترات التجارية المتصاعدة والضبابية في السياسة النقدية.
وخلال الأيام الماضية، فقدت العملة الأميركية قدراً كبيراً من قوتها، لتهبط أمام الفرنك السويسري واليورو إلى مستويات غير مسبوقة، وسط أجواء من الذعر سادت الأسواق العالمية، بعد قرارات أميركية جديدة فرضت قيوداً على صادرات الرقائق الإلكترونية إلى الصين، إلى جانب إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحقيقاً بشأن إمكانية فرض رسوم جمركية على بعض المعادن الحيوية.
الرسوم الجمركية تفقد الدولار توازنه
القرارات الأميركية الأخيرة أعادت إشعال المخاوف من اندلاع حرب تجارية أوسع، وهو ما انعكس بوضوح على أداء الدولار الذي أصبح، وفق مراقبين، ضحية لاهتزاز ثقة المستثمرين في استقرار السياسة التجارية الأميركية، بعد أسابيع من التلويح بقرارات جمركية مرتفعة ثم التراجع عنها بشكل متكرر، ما زاد من حدة التقلب في المشهد التجاري العالمي.
ورغم توقف الانخفاض مؤقتاً اليوم، إلا أن مؤشر الدولار الرئيسي، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من ست عملات رئيسة، لا يزال بعيداً عن مستوياته النفسية القوية. فقد ارتفع صباح الخميس بنسبة 0.4% إلى 99.66 نقطة، لكنه ما زال منخفضاً بنحو 4.5% منذ بداية الشهر الحالي، بعد أن فقد مستوى 104.25 نقطة، في حين تراجع بنسبة 1.3% خلال الأيام الخمسة الأخيرة فقط.
تباين في أداء العملات والأسواق تترقب
سجل الدولار تحركات متباينة أمام العملات العالمية اليوم، إذ ارتفع بنسبة 0.55% أمام الين الياباني إلى 142.61 ين، بعد أن كان قد تراجع إلى أدنى مستوياته منذ سبتمبر الماضي. كما صعد مقابل الفرنك السويسري بنسبة 0.3% إلى 0.827، بعدما سجل أدنى مستوى له خلال عشر سنوات.
أما أمام اليورو، فقد ارتفع الدولار بنسبة 0.5% إلى 1.1338 دولار، مع ترقب الأسواق لقرار البنك المركزي الأوروبي بشأن أسعار الفائدة في اجتماعه اليوم. وارتفع أيضاً أمام الجنيه الإسترليني إلى 1.3211 دولار، بينما صعد أمام الدولار الأسترالي بنسبة 0.4% مسجلاً 0.6347 دولار.
في المقابل، سجل اليوان الصيني تراجعاً بنسبة 0.15% أمام الدولار، ليتم تداوله عند 7.3277 للدولار الواحد في السوق الخارجية.
الفيدرالي الأميركي: الصبر هو العنوان
في خضم هذه التحديات، دعا رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، إلى التريث قبل اتخاذ أي خطوات جديدة في السياسة النقدية، مشدداً على أن الوقت الراهن يتطلب قدراً كبيراً من الحذر في ظل غياب الوضوح بشأن مسار الاقتصاد والتضخم.
وخلال كلمته أمام النادي الاقتصادي في شيكاغو، أشار باول إلى أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يحافظ على قوته العامة، رغم تباطؤ متوقع في النمو خلال الربع الأول من العام، كما أوضح أن التضخم لا يزال فوق المستهدف البالغ 2%، لكنه تراجع بشكل كبير مقارنة بالفترات السابقة، ما يعزز التوقعات بشأن تحسن تدريجي في الأداء الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة.
وفي هذا السياق، لفت باول إلى أن الرسوم الجمركية المفروضة مؤخراً قد تؤدي إلى تسارع التضخم وتباطؤ النمو، مضيفاً أن أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي ارتفعت بنسبة 2.3% خلال العام المنتهي في مارس، وهو معدل يتجاوز المستهدف الرسمي للاحتياطي الفيدرالي.
تحذيرات إضافية من “هاماك” بشأن التسرع
من جانبه، أبدى عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي بيث هاماك دعماً لموقف باول، مؤكداً وجود مبررات قوية للإبقاء على السياسة النقدية دون تغيير في الوقت الراهن. واعتبر هاماك، في بيان معد مسبقاً للنشر، أن اتباع نهج “الصبر المدروس” يمنح الفيدرالي الأميركي مساحة أوسع لتحليل المشهد الاقتصادي بدقة، خاصة مع تصاعد الضغوط التجارية وتأثيرها على أسواق العمل وأسعار المستهلكين.
وقال هاماك إن اتخاذ قرارات مبنية على بيانات غير مكتملة أو افتراضات مبكرة قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، مشدداً على أن التمهل يمنح صانعي السياسات فرصة لتجميع معلومات أوفر واتخاذ قرارات مدروسة قائمة على واقع السوق.