أحمد الجمال
يلفت توقيع مصر وفرنسا اتفاق ترفيع العلاقات بينهما.. لمستوى الشراكة الاستراتيجية، ومعه مجموعة اتفاقات ومذكرات تفاهم – في أكثر من مجال – النظر.. إلى أمرين؛ أولهما: حرص القيادة السياسية المصرية على الحيلولة دون أن يفرض الانفجار الإقليمي، ومعه التوتر العالمي، سواء تمثل في استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، أو في سياسات الإدارة الأمريكية وقرارات ترامب.. حالة من الانكماش أو الخلل في أولويات الدور المصري.
وللحقيقة والإنصاف، فإن منهج القيادة المصرية – الذي تطبقه وتنطلق به بكفاءة واقتدار.. وزارة الخارجية، ووزيرها المتمكن الدكتور بدر عبدالعاطي في الاتجاهات كافة، أو دوائر الدور المصري – يُعد نموذجاً وطنياً لافتاً، يتمنى المرء أن يتكرر ويسود في مؤسسات الدولة المصرية كافة، لتتكامل الأوضاع الداخلية.. مع السياسة والدور الخارجي، ويصبحان معا أداة واحدة تعمل أجزاؤها بالقوة نفسها لإنجاز المهمة.
والأمر الثاني: (الذي أود الإشارة إليه) يتعلق بكثافة الزخم الإنساني الفكري والثقافي والسياسي، الذي شهدته معظم، (إن لم يكن كل)، دول القارة الأوروبية وكثير من الولايات الأمريكية ودول العالم في أمريكا الجنوبية وآسيا، وبقي موجهاً لمساندة الشعب الفلسطيني والتعاطف معه وتأييد حقوقه المشروعة، ورفض وإدانة وتجريم ما تقوم به الدولة الصهيونية بجميع مؤسساتها الرسمية وأحزابها، وأيضاً نخبها المختلفة.
وللأسف، لم تتمكن النخب المصرية والعربية والإسلامية من الاستفادة القصوى من ذلك الزخم، وتوسيعه وتعميقه والبناء على إيجابياته؛ ليس فقط من أجل القضية الفلسطينية، ولكن من أجل أمور لا تقل أهمية، وعلى رأسها تكريس وعي عالمي إنساني بحقوق شعوبنا في حياة أفضل، وحتمية أن تمد الدول المتقدمة.. يد التعاون العلمي والتقني والاقتصادي والثقافي لشعوب العالم الثالث عموماً، خاصة تلك التي تعرضت للاستعمار الأوروبي الطويل، الذي اقتربت مدده – في بلد كمصر – من ثلاثة أرباع قرن، وتجاوز القرن في بلد كالجزائر، ناهيك عن أبشع أنواع ودرجات العنف بالقتل والتشويه وتجارة العبيد، وأيضاً التمييز العنصري والإبادة الجماعية التي شهدتها دول في أفريقيا.. تحت سيطرة الاستعمار البلجيكي والهولندي وغيرهما.
وأؤكد أنني أذكر النخب المصرية.. بوجه خاص، لأن المعادلة لن تكتمل بدور القيادة السياسية المصرية ووزارة الخارجية فقط، وإنما لا بد من دور متمم يتكامل مع الدور الرسمي، ونحن – والحمد لله – لدينا نخب علمية وفكرية وثقافية واقتصادية.. متعددة الكفاءات، مصقولة الخبرات، لا ينقصها إلا منهج يخطط لخطط عمل مرحلية وأخرى طويلة المدى، لمد الجسور مع النخب ودوائر الحركة الشعبية في دول أوروبا والولايات المتحدة.
ولا ننسى أننا في مرحلة من مراحل تاريخنا الوطني عرفنا نوعاً من أنواع ذلك الحراك النخبوي لمساندة الدولة المصرية.. في كفاحها لنيل الاستقلال والتحرر من الاستعمار، عرفنا دور مصطفى كامل وعلاقاته بشخصيات فرنسية، ودور محمد فريد ودور محمد عبده، ودور الوفد المصري، ثم عرفنا في مرحلة تالية دور اليسار المصري في أوروبا.. لتعميق إدانة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وبالطبع فإن أي رؤية لدور نخبنا الوطنية، يتعين أن تضع في حسبانها استمرارية التفاعل الذي أدعو إليه، بحيث لا تتبدد سخونة وقوة الموقف الإنساني الشعبي والنخبوي الأوروبي والأمريكي، أو تتأثر قوة دفعها بأي تسوية تتم على صعيد القضية الفلسطينية، لأن لدينا آفاقاً متعددة الجوانب.. تحتاج دوماً إلى ظهير دولي يساندها، وعلى رأسها قضايا البحث العلمي وتطبيقاته، والتعليم والبنية والتصحر و«التبخر» أي هجوم مياه البحار على الشواطئ وعلى المخزون المائي الجوفي العذب، وأيضا مجالات الطاقة النظيفة، والاستغلال الأمثل للمواد الخام والموارد الطبيعية، وقضية الصراعات الإقليمية حول المياه والحدود، وأيضاً السلم الداخلي، وكف أيدي التدخل الخارجي؛ خاصة الدولي ذا الأجندات الخاصة في أفريقيا.. بشأن إثارة النعرات الاقتتالية القبلية والجهوية.
… خلاصة ما أود أن نشهده في مراحل مقبلة، هو أن يلتئم شمل نخبنا المختلفة، على خطط عمل تتمم دور مؤسسة الرئاسة والخارجية وتكون على مستواه.
نقلاً عن «الأهرام«