Times of Egypt

الدكتور أحمد سالم بين الفلسفة والحياة.. رؤية أولية (1 ـ 2)

M.Adam
عمار علي حسن

 عمار علي حسن 

في مساره الأكاديمي ودراساته، في كتبه وتعليقاته، في انخراطه داخل الجامعة وخارجها، يتقلب الدكتور أحمد سالم.. بين يأس ورجاء، وإحجام وإقدام، وصراخ وصمت، وانخراط وانسحاب، يبدو حبة بقولٍ على جمر صافٍ، يقفز ويعود، لكنه في كل هذه الأحوال.. يزداد نضجاً في الفهم، وارتقاء في المشاعر، ولا يضل السبيل أبداً.

في سبيله.. لا ينسى الرجل – الذي أنتج كتباً مهمة على درب تجديد الرؤية الدينية، واستنهاض همة ما في القديم من منفعة.. كي تتحسن شروط الحياة الراهنة – أنه موجود في مصر، أقدم دولة في التاريخ، وواحدة من أعرق الحضارات الإنسانية. ويزيد عليها – غير تائه ولا شارد – أنه أيضاً ابن الحضارة الإسلامية، وأن الفلسفة.. التي ينقدح لها العقل ويتوهج، لا تتنكر لما تطلبه الروح من طمأنينة، والنفس من سكينة، ولذا نراه يدور في فلك الإيمان بطريقته، وينصت إلى صوت السماء.. بأذن مختلفة، ويرى المعجزات الربانية، والفيوضات النورانية.. بقلب متصوف، لا يعلن عن نفسه بالضرورة، بل قد لا يدرك هو ذلك، وإن كان من يقرأه ويسمعه ويخالطه.. يصل إلى هذا المعنى من أقصر طريق.

تكالبت عوامل عدة على د. أحمد سالم.. كي تلقيه في الهامش البارد؛ تُحبطه فيسكت، وتجذبه إلى أسفل فيقعد، لكنه لا يستسلم لها. وإن ركن إلى دعة بعض الوقت، سرعان ما ينفض عن نفسه غبار القنوط واللامبالاة، ويعود إلى رحاب الحياة الصاخبة، يشاكس قضاياها، ويسلك دروبها الوعرة، ناسياً كل ما يشده إلى الوراء.

يقوم سالم بتدريس الفلسفة في جامعة إقليمية – هي جامعة طنطا – وكم يودي هذا العلم، وذلك المكان، بصاحبه.. إلى الرضا بالقليل، والاكتفاء بكونه رجلاً يقف أمام بضع طلاب، يحدثهم عن بعض ما يعرف، ثم يقف أمام خزينة الكلية.. ليقبض أجر ما قال في نهاية كل شهر. وكم هو قليل وضئيل، قياساً إلى كلفة العيش ومتطلباته واستحقاقاته. وسالم رجل لا يهز رأسه مطيعاً لرؤسائه في العمل، ولا لمن يغبنونه في رحاب المعرفة الفلسفية والدينية، فيكلفه هذا عناء شديداً، طالما راح يشكو منه..  فيما يبوح به على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك«.

سالم رجل رقيق الحال، يعيش بين كفاف مقيم وكفاية عابرة، ويرضى بهذا، ويزهد في كل ما هو متاح أمامه.. من مال وذيوع؛ لو أنه سلم رأسه لمن يدفعون بسخاء.. لمشروعات فكرية مضادة لما يؤمن به. يملك جيداً وباقتدار البضاعة الرائجة.. التي تدفع إلى سوق عليه لافتات «التنوير» و«التجديد»، ومواجهة التزمت والتشدد والتطرف، مع أن هذا هو عند أصحاب المال.. قد يكون حقاً يراد به باطل، ولا يخرج ما يقدمونه عن أن يكون تنويرًا أعمى أو أعور أو أحول.

لو جارى سالم ما يطلبه منه هؤلاء، لصار الآن في عيش رغيد. لكنه – وفي اللحظة التي يظن فيها هؤلاء أنهم قد اصطادوه – يفزع للحقيقة، ويخضع لشروط العلم، ويتذكر إخلاصه لهموم قومه، ويحترم الدور الذي عليه أن يلعبه.. كتنويري حقيقي، وأستاذ جاد، ومعلم يبحث في عقول تلاميذه.. عمن بوسعهم أن يحملوا الراية في قابل السنين، فيقول ما لا يرضيهم، وهم الذين يرفعون شعار «من ليس معنا تماماً، فهو ضدنا على طول الخط».

 أحمد محمد سالم – هو أستاذ الفلسفة الإسلامية والفكر العربي الحديث بكلية الآداب.. جامعة طنطا – الذي دَرَس في أطروحته للماجستير «إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر… دراسة نقدية مقارنة بين حسن حنفي ومحمد عابد الجابري»، وفي أطروحته للدكتوراه درس «الإمام سعيد النورسي وآراؤه الكلامية«.

أما كتبه، فقد عكست انشغاله، ورغبته في أن يحفر لنفسه مسرباً عفيّاً.. في فهم الفلسفة وتدريسها، فكانت «المرأة في الفكر العربي الحديث»، و«الإسلام العقلاني.. تجديد الفكر الديني عند أمين الخولي»، و«نقد الفقهاء لعلم الكلام.. بين حراسة العقيدة وحركة التاريخ»، و«الأصول الأشعرية في آراء حسين الجسر الكلامية»، و«التنوير»، و«العقل والدين.. من الخطاب الإصلاحي إلى الخطاب العلماني»، و«الفلسفة في فكر ابن تيمية»، و«إقصاء الآخر.. صناعة التكفير في علم العقائد»، و«دولة السلطان.. جذور التسلط والاستبداد في التجربة الإسلامية»، و«صورة الآخر في الفكر العربي.. تعايش أم مواجهة»، و«الإيمان والحرية»، و«تجلي الإله.. جدلية الإلهي والإنساني في الثقافة الإسلامية»، و«العمامة المستنيرة.. تجديد الفكر الديني عند عبد المتعال الصعيدي«.

وإلى جانب كتبه، توالت دراساته المتنوعة.. التي أخذت عناوين من قبيل: «مقاربة بين التراث والتجديد ونقد العقل العربي»، و«مفهوم التنوير وأثره في الفكر العربي الحديث»، و«جدل الدين والسياسة»، و«الفكر الإصلاحي عند محمد فريد وجدي»، و«الخطاب الإصلاحي عند رفاعة الطهطاوي»، و«خطاب الإصلاح من تعدد الدلالات إلى الوضوح المنهجي.. من محمد عبده إلى أمين الخولي»، و«الحرية في علم الكلام.. دراسة في جدل الديني والسياسي»، و«صورة الغرب في خطاب الإصلاح الديني.. تعايش أم مواجهة»، و«العدالة والحرية في الفكر العربي الحديث»، و«أثر الإيمان في درء العنف – قراءة في رسائل النور»، و«العمران والدين.. قراءة في مدونات الأخلاق الإسلامية»، و«الآداب السلطانية بين ضرورة التاريخ وصناعة الاستبداد»، و«محاكمة الفلسفة في فكر ابن تيمية.. دراسة في جدل النص والتاريخ»، و«إقصاء الآخر.. قراءة في مدونات الملل والنحل لأهل السنة»، و«حوار النص والتاريخ.. قراءة في أعمال رضوان السيد ضمن كتاب الأمة والدولة والتاريخ»، و«الإسلام والسياسة.. انقطاع أم تواصل»، و«أثر المعتزلة في الفكر المصري الحديث»، و«الدين والتغيير.. جدلية الفرد والجماعة في التجربة الإسلامية»، و«التسامح في خطاب الإصلاح الديني.. قراءة في آثر الحداثة الأوروبية»، و«الحداثة من النقد النظري إلى استهلاك الممارسة العملية.. قراءة في فكر أحمد زايد السيسيولوجي»، و«الإصلاح الديني في إيران.. قراءة في ضوء الولاية المغلقة للفقيه»، و«المستبد العادل في تراث الفقه السياسي الإسلامي«.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة