Times of Egypt

الدرس البريطاني!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

«النوايا الطيبة وحدها لا تكفي»، هذه المقولة تنطبق تماماً على حكومة العمال البريطانية، التي تولت الحكم قبل عام بالضبط.. لكنها تعاني فشلاً ذريعاً في معالجة الأوضاع الاقتصادية، مما يهدد بلجوء بريطانيا، للمرة الأولى – منذ ما يقرب من 50 عاماً – إلى صندوق النقد الدولي.. طلباً للإنقاذ. 

في بداية حكمها، كانت الأحلام عظيمة، والطموحات أعظم. الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة سيظل، وربما يزيد. الخدمات العامة – كالصحة والتعليم – ستزيد مخصصاتها. لا ضرائب جديدة. الاقتراض فقط للاستثمار وتنمية الاقتصاد. 

ماذا حدث حتى تهبط شعبية الحكومة – ورئيسها كير ستارمر – خلال 12 شهراً، إلى مستوى لم يحدث منذ عشرات السنين؟

وصل حزب العمال إلى السلطة.. بأصوات العمال والفقراء وأبناء الطبقة الوسطى، الذين تدهورت أحوالهم المعيشية خلال 14 عاماً من حكم المحافظين. أعد الحزب خططاً واستراتيجيات لتعويض جمهوره. تعهَّد بإنفاق مليارات الجنيهات الإسترلينية.. لضمان استمرار دولة الرفاه الاجتماعي، لكنه فوجئ بأن الميزانية «خربانة»، وأن المحافظين أنفقوا دون رشادة، وتركوا عجزاً مالياً شديداً. حاول ستارمر تقليص المخصصات المالية لأصحاب المعاشات، وإعانات المعاقين، ومساندة الأسرة التي لديها طفلان. 

ثار نواب الحزب في مجلس العموم، وهددوا بالتصويت ضد الحكومة. ماذا يفعل ستارمر لإرضاء الناخبين والنواب؟ لجأ للاقتراض. أصبحت البلاد على حافة هاوية اقتصادية. في العام المالي 2025/2026، ستضطر بريطانيا لاقتراض 143 مليار جنيه إسترليني.. لتغطية الفارق بين ما تخصصه للإنفاق، وما يتوقع الحصول عليه من إيرادات. هذا الاقتراض لن يتم استخدامه لصالح المستشفيات والمدارس والمهمشين، بل سيكون 110 مليارات منه لدفع فوائد الديون.. البالغ إجماليها 2.9 تريليون جنيه إسترليني. أي أن ثلاثة أرباع الديون الجديدة سيتم استهلاكها لسداد ما تم اقتراضه.

إنها اقتصادات الجنون.. كما عبر أندرو نيل رئيس تحرير صحيفة «صنداي تايمز» الأسبق والمذيع الشهير. بريطانيا حالياً، مثل شخص استنفد كل الرصيد في بطاقته الائتمانية، فاضطر إلى السحب من بطاقة أخرى، والأموال التي يسحبها، سيدفعها في سداد الدين المستحق على بطاقته الأصلية. هل يتصور هذا الشخص أنه نجا من أزمته؟ 

قد يحدث ذلك مرة أو مرتين، لكن بعد ذلك ستلاحقه البنوك والجهات الدائنة. يمكن للحكومات أيضاً أن تنجو من الوضع الاقتصادي المزري.. عن طريق طبع البنكنوت، لكن في النهاية – كما يقول نيل – سيتم اكتشاف ذلك، وسيكون وبالاً على البلد. لم يدرس العمال الوضع بعقلانية، عندما كانوا في المعارضة. كان كل همهم إرضاء الناخبين.

لكن عندما تجاوزت فاتورة الإنفاق قدرات البلاد، حاولت الحكومة التراجع.. لكنها فشلت. لم يعد أمامها سوى فرض ضرائب جديدة على الشركات، مما يهدد بهروب الاستثمارات، وأيضاً اللجوء للاقتراض ورهن مستقبل البلاد.. تحت رحمة الدائنين. 

الدين الوطني البريطاني وصل إلى 96% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيواصل الارتفاع. 

شبح الانهيار الاقتصادي يلوح، والمخاوف من اندلاع احتجاجات شعبية.. ليست مستبعدة. إنها السذاجة السياسية، التي تعاني منها بعض الحكومات، واعتقاد أنك يمكن أن ترضي الناس، وفي نفس الوقت، تحقق أهدافك الطموحة. 

للأسف، الأمر ينتهي بالفشل في تحقيق الهدفين، كما هو الحال مع الحكومة البريطانية.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة