أمينة خيري
القراءة ما زالت مهمة، والقراءة في غير الكتب الدراسية والعلوم الدينية.. بالغة الأهمية. وفي وقت كالذي نعيشه الآن؛ حيث تكوين الآراء وتشكيل الاتجاهات متروك – بشكل شبه – كلي لما يمليه المؤثرون والمؤثرات، وما تتفتَّق عنه أذهان كل من قرر أن يصور فيديو.. يشرح فيه الأحداث، أو يعظ، أو يخبرنا بما ينتظرنا بعد موتنا، أو يبشرنا بطريقة لعمل الكيك بدون سكر وبدون دقيق. قراءة التاريخ، والاطلاع على التحليلات السياسية الحقيقية، لا المعاد تدويرها بعد أدلجتها – من قبل «الخوابير الاستراتيجيين» – أمر مهم، لمن يريد أن ينجو بنفسه ومن حوله.
حتمية القراءة تفرض نفسها.. مع متابعة اتجاهات الرأي العام المصري، التي – للأسف – لم تعد هناك وسائل أو تقارير ذات مصداقية.. يعتمد عليها لمعرفتها، باستثناء رؤى العين على منصات السوشيال ميديا. وهي رؤى للعلم.. تختلف من مستخدم لآخر، فما يتابعه فلان ويهتم به، وتدفع الخوارزميات بالمزيد منه على شاشته، يختلف عما يتابعه علان.. حيث تستجيب الخوارزميات لأهوائه المختلفة.
بمعنى آخر، ما تطالعه حضرتك على السوشيال ميديا، وتعتقد أنه أهم شيء في الكون، وأن سكان الأرض متفقون عليه بنسبة 99%، يختلف تماماً عما يطالعه جارك أو أخوك أو زوجتك أو أبناؤك.
وأعود إلى قراءة التاريخ وتحليلات الخبراء – حتى ولو اختلفنا مع توجهاتهم وناصبنا دولهم العداء – باعتبارها الوسيلة الوحيدة القادرة على ضمان قدر وافر من معرفة أسباب وعوامل ما يجري حولنا، وعلى مرمى حجر من بواباتنا الشرقية والغربية والجنوبية. فمن المهم بالطبع.. الاطلاع على ما يبثه إعلامنا، وما تنشره مواقعنا وصحفنا، وما يقوله صُناع المحتوى الوطنيون، لكن الوطنية وحدها – في مثل تلك الأوضاع والأحوال – لا تكفي.
خطورة الأوضاع الحالية – التي تحيط بنا – لا تتوقف عند حدود الأخبار الكاذبة والشائعات والواقع المزيف تزييفاً عميقاً. أقول – وأجري على الله – إن الجهود العاتية لضخ الوطنية في القلوب والعقول.. أحياناً تكون أشبه بالنيران الصديقة. حب الوطن مغروس في قلب كل شخص سوي، والاستعداد للدفاع عنه جزء من تكوين الكثيرين. (أقول الكثيرين.. لأن الإسلام السياسي الذي ترك يرتع – وما زال ولكن بجلباب مختلف – نال من مكونات وقيم عديدة، بينها قيمة الوطن وترابه).. لكن الاعتماد على المشاعر الحماسية والأحاسيس الاندفاعية وحدها.. لا يكفي. ورشق كل من يطالب بتوسيع الأفق المعرفي قليلاً.. باعتباره خائناً أو عميلاً أو عبيطاً، سياسة تفتقر للاستدامة.
القراءة، والاطلاع متعدد المصادر.. قادران على الإجابة عن الكثير من الأسئلة حسنة النية، ولكن تفتقد الواقعية والمنطق.. لماذا لا تحارب مصر منفردة إسرائيل وتدكها دكاً؟ لماذا لا تشكل الدول العربية جيشاً موحداً، وتتخلص من العدو؟ لماذا لا يتم استقبال كل أهل غزة في مصر لحين تحرير القطاع؟.
لماذا لا نقرأ؟ ولماذا نعتقد أننا نعرف ونعي؟ ومن قال إن المشاعر الطيبة تشفع لأنيميا المعرفة؟ ولماذا نصر على العيش في الخيال المميت؟.
نقلاً عن «المصري اليوم«