أمينة خيري
نحن غارقون – رغماً عنا – في التفاصيل الدقيقة للأحداث الجسام التي تجري حولنا، وآخذة في الاقتراب منا. عملية السابع من أكتوبر – التي ساعدت وسهَّلت ومهَّدت الطريق أمام السرعة الجنونية في تشكيل خريطة الشرق الأوسط الجديد المعدَّة مسبقاً (كل من الكلمات السابقة محسوبة بالملِّي) – مجرد عنصر محفِّز.
وبعيداً عن كون فريق يرى العملية تحركاً كان مطلوباً.. لإحياء القضية ولفت نظر العالم لغزة المنسيَّة، وآخر يرى أن إحياء القضية بهذا الشكل.. أدَّى إلى موتها، وربما موت بعض من حولها، نبقى مع ملامح جديدة تماماً تتشكّل للمنطقة التي نعيش بها، بل نحن في القلب منها.
ها هي خريطة المنطقة أمامنا، لا نستطيع رفعها من على الطاولة،؛ حيث أجزاؤها مفتَّتة ومكوناتها مهلهلة، وما بقي منها محتفظاً بكيانه.. معرَّض للتفتيت أو إعادة التشكيل. لا يمكن فصل حرب الإبادة في غزة عن جهود التهجير العاتية، وعن الانتظار على أحرّ من الجمر للانتقال إلى الضفة الغربية.. بعد الانتهاء من غزة ومن فيها، وعن إسقاط النظام السوري، وتمكين هيئة تحرير الشام – إحدى الفصائل السلفية الجهادية، المنخرطة في الحرب الأهلية من الحكم – وذلك بعد «تغييرات» في شكلها.. عن كسر أنف ورقبة وسطوة محور إيران، وتفصيلا.. حزب الله والحوثيون مع حركة حماس، ويتبقى بضع جماعات شيعية مسلحة هنا وهناك، وهي التي كان يحلو لها تسمية نفسها.. «محور المقاومة»، وكأن المقاومة حكراً عليها، والباقين مستسلمون!
مسمّى «المقاومة»، اكتسبه المحور – أو استغله، أو استفاد منه – بناءً على عامل واحد لا ثانٍ له، ألا وهو تبنِّيه لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي تحت جناحه.
ولن أخوض في تفاصيل أو قراءات.. حول نتائج المقاومة على مرِّ العقود.. فيما يختص بالقضية الفلسطينية، التي يفترض أن تكون المقاومة مصوَّبة جهة نصرتها، لا مقاومة أنظمة أو دول أو شعوب أخرى.. ربما تختلف سياسياً مع «المحور».
هذا ليس وقته! الوقت والظرف والواقع الآن، يحتم علينا النظر أبعد مما يكمن تحت أقدامنا.
الخريطة تتغيَّر؟ نعم بكل تأكيد!
تتغيَّر طبقاً لما نأمل؟ لا بكل تأكيد!
هل الأمور يتم التعامل معها بالآمال والأمنيات؟ لا بكل تأكيد!
حديث المشاعر والأحاسيس واللُّحمة… إلخ، يصلح في عوالم السياسة والصراعات والمصالح؟
لا بكل تأكيد.
أحوال الكوكب – لا المنطقة وحدها – تشير إلى أن حكاية العولمة، والعالم قرية صغيرة، والإنسانية وحدة جميلة… إلخ انتهت. وأن الجميع مقبل – أو أقبل – على عصر «الدولة القومية» – وهو المفهوم الملتبس عربياً، حيث العالم مقبل على شعبوية الدولة – وليس مجموعة الدول المتشابهة في اللغة والدين… إلخ – المغلقة على شعبها.
الحديث يطول، ولكن العجيب والغريب.. أنه بينما المنطقة تُضرب.. تُقلب، إذا بأناس بيننا، و«إخوة» حولنا.. يصرخون أن من حق كل شعوب الأرض.. أن تضع مصالحها وأمنها وسلامتها على رأس أولوياتها، باستثناء مصر.. التي يجب أن تضع مصالح وأمن وسلامة الآخرين.. في المقدمة، وإن تبقى فيها نفس.. تحمي نفسها، وللحديث بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم»