عماد الدين حسين
هل مصرع 18 فتاة من قرية السنابسة – في الحادثة الأليمة على الطريق الدائري الإقليمي بالمنوفية يوم الجمعة الماضي – يعود إلى السلوكيات الخاطئة للسائقين والمواطنين، أم بسبب عدم تطبيق الحكومة للقانون؟!
هذا السؤال كان محل جدل مع صديق إعلامي، يرى أن سلوكيات المواطنين الخاطئة هي السبب الأساسي وراء الحادثة الأخيرة.. والعديد من الحوادث. ما قاله الصديق ليس مجرد وجهة نظر فردية، بل من الواضح أن عدد المصدقين لها ليس قليلاً بين المواطنين، وليس فقط بين المسؤولين. المؤكد أن سلوكيات الناس تلعب دوراً، وأرى أن هناك مسؤولية تقع على السائقين في عدد كبير من الحوادث، لكن المسؤولية الأكبر في مثل هذا النوع من الحوادث.. تقع على السياسات والقوانين والقواعد، وآلية تطبيقها، وغياب المتابعة والرقابة والمحاسبة. المسألة باختصار.. أننا لو ألقينا المسؤولية الكاملة على السائق، فمعنى ذلك أننا نلغي دور وأثر القوانين والقرارات والتشريعات التي تنظم عمل الكثير من مجالات الحياة.
هناك مقولة شديدة الأهمية وهي «أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وهي أثر عن عثمان بن عفان، وتُروى أيضاً عن عمر بن الخطاب. والمعنى المهم هنا أنك لو قلت للكثير من المواطنين إن الله سوف يعاقبكم.. إذا خالفتم القوانين، معظم هؤلاء سوف يخالفون ويقولون إن الله غفور رحيم، أو إنهم ضعيفو الإيمان، وبالتالي فلا بد من تطبيق القوانين. مثلاً حينما قررت الحكومة أن كل من يدخن في مترو الأنفاق.. سوف يدفع غرامة فورية، فلم نرَ من يخالف هذه القرارات منذ أكثر من 40 عاماً إلا قليلاً، رغم أن الغرامة ليست كبيرة. والمهم في هذا المثال هو وجود مراقبين ومفتشين يحاسبون كل من يرتكب المخالفة.
سيقول البعض: ولكن الحوادث تقع في كل دول العالم، ونحن لسنا استثناءً من ذلك. والإجابة هي نعم، الحوادث تقع في كل دول العالم لكن السؤال الصحيح هو: ما نسبة الحوادث في كل بلد وما نسبة تطبيق القوانين في الخارج؟ وكم عدد الضحايا؟ وما أثرها على البنية التحتية والاقتصاد القومي؟ المؤكد أن وزارة النقل لا تتحمل بمفردها حوادث الطرق، لكن هناك العديد من الجهات تتحمل المسؤولية معها. حينما يقوم عدد كبير من السائقين.. بتعاطي المخدرات، خصوصاً الترامادول، فلو أن شرطة المرور والطرق ألقت القبض عليهم، وأدرك السائقون أن من يتعاطى ويدمن المخدرات.. سوف تسحب رخصته ويدفع غرامة ضخمة، وربما يدخل السجن.. فالمؤكد أن بقية السائقين سيتوقفون تماماً، أو على الأقل سوف تتراجع الظاهرة بنسبة كبيرة. نفس الأمر مع القول بأن السائق لم يكن يحمل رخصة مهنية، والسؤال: هل هذه سلوكيات فردية، أم تقصير من الجهات التي كان ينبغي أن توقفه هو وأمثاله؟!
لو تركنا الأمر مفتوحاً لضمير ووعي المواطن فقط، فسوف تتحول الحياة إلى فوضى كاملة. تأملوا حال بعض إشارات المرور حينما يترك الأمر فقط لسلوك السائقين، في غياب شرطي المرور، أو تعطل الإشارات الضوئية! أظن أن الإجابة معروفة، ولا تحتاج لشرح. ومعظمنا عاش ذلك كثيراً على أرض الواقع. دور الحكومة أن تضع القواعد والأسس والقوانين وتحدد الجزاءات والعقوبات، وتراقب ذلك على أرض الواقع، وتطبقه تطبيقاً صارماً على الجميع. ولا يكفي أن نخاطب ضمائر الناس فقط، ونقول لهم نرجوكم لا تسرعوا ولا ترتكبوا المخالفات ولا تسيروا من دون رخصة!
مرة أخرى، أنا ضد شخصنة حادثة قرية السنابسة، وضد استهداف وزير النقل أو أي مسؤول في هذه القضية أو غيرها. الأفضل بدلاً من الشخصنة أن نبحث عن الأسباب الجذرية لهذه الحوادث ونعالجها، حتى لا تتكرر مرة أخرى بعد يوم أو شهر أو سنة.
نقلاً عن «الشروق«