Times of Egypt

الحملة على مصر

M.Adam
نيفين مسعد

نيفين مسعد

اعتادت مصر الهجوم عليها طوال الوقت، وهذا الهجوم لا يقتصر على توجُّهاتها السياسية في الداخل والخارج، لكنه يكاد يشمل كل شيء.. بالمعنى الحرفي للكلمة. وكلنا نذكر الجدل الذي لا يهدأ حول بناة الأهرامات، وهل هم من الأفارقة.. أم كائنات فضائية.

ومع أن باقي المعجزات السبع.. يتعرَّض لبعض التشكيك في أصوله التاريخية، إلا أن هذا التشكيك لا يطول، وإن هو طال.. فإنه لا يتجدد، وهو ما يختلف عن الحال مع مصر. ومع أن ما تحقق يوم السادس من أكتوبر 1973.. كان معجزة عسكرية بكل المقاييس، وبشهادة كبار الخبراء الاستراتيجيين حول العالم، إلا أن هناك تصميماً على التقليل من شأن هذا الإنجاز الكبير، وحرصاً على التفنن في مقارنة حرب أكتوبر بحروب أخرى.. في سياقات مختلفة، مع أن الأمر غير مطروح للمقارنة من جانب مصر، وفي محاربة كل صور الاحتلال.. فليتنافس المتنافسون.

إذن ألِفت مصر الهجوم عليها، وليس هذا بجديد. لكن الجديد، هو ما يُلاحَظ من وجود حملة منظمة – متعددة الموجات – تستهدف مصر خلال الفترة الأخيرة، وهذه الموجات تبلغ ذروتها بالطبع في مناسبات معينة؛ مثل اقتراب موعد انتخاب أمين عام جديد لجامعة الدول العربية، ومثل حلول ذكرى ثورة الشعب المصري ضد حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو. أما ذكرى ميلاد ووفاة الرئيس جمال عبد الناصر فهي مناسبة روتينية.. لإرجاع كل تعقيدات الأوضاع العربية الراهنة إلى الميراث الناصري. لكن الحملة ثابتة.. من حيث الهدف، ومتصاعدة.. من حيث الأدوات. وبالتالي نجد أن الرئيس الفرنسي يأتي إلى مصر، وتترك زيارته انطباعاً بالغ الإيجابية في نفسه، ويعود منها ليعلن اعتزامه الاعتراف بدولة فلسطينية.. إلى جانب دولة إسرائيل؛ فتخرج التعليقات على الزيارة.. متسائلة عما يمكن أن تغيره فرنسا – بل أوروبا نفسها – بمواقفها من القضية الفلسطينية، في ظل الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل.

ويزور وزير خارجية إيران مصر، ويدور نقاش جاد.. حول تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وتبدأ إيران فعلاً في تغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي.. في العاصمة طهران، فيقال إن هناك محوراً جديداً يتشكل في المنطقة، وإن هذا المحور موجه – بالذات – ضد الدول العربية الخليجية، على الرغم من أن كل دول الخليج لها علاقات دبلوماسية مع إيران.. على العكس من مصر. وتستميت مصر في بذل جهودها.. لوقف إطلاق النار في غزة، وتقدم المبادرة تلو الأخرى، وتنظم قمة عربية طارئة رفضاً للتهجير القسري، وتتكدس شاحناتها الإغاثية أمام معبر رفح، فيزايد البعض بقافلة برية تنطلق من دول.. بعضها لم يقدم حتى الحد الأدنى من الدعم للقضية الفلسطينية، وتتجه القافلة صوب رفح دون تنسيق مع السلطات المصرية. فما هي الحكاية بالضبط؟ وهل المشكلة هي مع سياسات مصر أم مع مصر نفسها؟ 

السؤال يحمل إجابته في طياته.

أما أغرب ما ورد في إطار هذه الحملة، فكان هو الترويج لإحلال دمشق محل القاهرة.. في علاقات الخليج العربية. وقبل الاستطراد في الشرح، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن.. هو أن نظرية المباراة الصفرية لم يعد لها مكان في العلاقات الدولية، إذ باتت الدول تدخل في علاقات شراكة منفصلة ومتقاطعة.. مع بعضها البعض، بحيث تبني على مساحات التوافق، وتقلل من نقاط الاختلاف. وبالتالي، فعلى الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن هذا لم يمنع الجانبين من التوصل إلى شراكة دفاعية وأمنية واقتصادية.. في القمة التي عقدت بينهما الشهر الماضي. ومردُّ ذلك، هو وجود مجموعة من المصالح المتبادلة بين لندن وبروكسل، فرضت البحث عن صيغة جديدة للعلاقة بعد البريكست، بعيداً عن صيغة: إما البقاء في الاتحاد، وإما الخروج منه. وعلى الرغم من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والمخاوف الأمريكية من تنامي القوة العسكرية الروسية، إلا أن هناك مساحات للتنسيق بين الأطراف الثلاثة، كما أن الصين وروسيا.. قادرتان على إدارة تناقضاتهما الفرعية. بمعنى آخر لم تعد العلاقات الدولية حبيسة اللونين الأبيض والأسود.

نأتي بعد ذلك إلى فكرة ضرب القاهرة بدمشق، التي روَّج لها مقال دون توقيع انتشر مؤخراً، وهو منسوب لأحد المراكز البحثية. هذه الفكرة يستند صاحبها في تسويقها إلى خمسة عوامل أساسية؛ العامل الأول: هو التواصل الجغرافي بين سوريا والخليج.. عبر محور الأنبار العراقي ومعبر الرويشد الأردني. مقابل الانفصال الجغرافي مع مصر.. بسبب وجود إسرائيل. والعامل الثاني: هو القرب الثقافي الشامي السني المشرقي.. من النمط الاجتماعي الخليجي، بينما تميل الهوية المصرية للتفرد. والعامل الثالث: هو أن سوريا ستحارب مع الخليج.. في حال اندلعت حرب بينه وبين إيران، بينما سوف تلتزم مصر بالحياد. والعامل الرابع: هو أن سوريا الجديدة، تمثل بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية.. على العكس من مصر. العامل الخامس والأخير: هو إمكانية التأثير في تشكيل النظام السوري الجديد، مقابل صعوبة التأثير البنيوي على الدولة المصرية الصلبة.

ومع أنه من السهولة بمكان تفنيد مقولة أن القرب الجغرافي يخلق فرص التعاون الوظيفي بالضرورة، أو الحكم على ثقافة حكام سوريا الجدد بأنها تمثل ثقافة كل الشعب السوري، ناهيك عن عموم الثقافة المشرقية، والقول إنها تقترب من ثقافة الخليج، أو أن سوريا – التي فقدت مؤخراً مساحة من أرضها.. أكثر مما فقدته في هزيمة 1967 – لديها جيش نظامي، وهذا الجيش قادر على أن يحارب إيران، أو أن إمكانية الخليج في التأثير على نظام الحكم في سوريا.. أكبر من إمكانية تركيا في التأثير عليه مثلاً. كل هذا يمكن دحضه وتفنيده بسهولة، لكن مربط الفرس هو: عن أي سوريا نتحدث بالضبط، وهناك جنوب وشمال شرق خارجان – عملياً – عن السيطرة السورية، بل إن وضع ريف دمشق نفسه.. غير مستقر؟

بقول آخر، إذا كان المقصود هو الغمز في مصر، فإن سوريا ليست الأداة المناسبة، لكن يخطئ من يتصور أن إضعاف مصر يصب في مصلحة أي طرف.. غير إسرائيل، أو أن دولة واحدة، أو حتى إقليماً واحداً، يمكن أن ينهض بعبء قيادة الوطن العربي.. في وضعه الراهن.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة